bah الأب طوني خضره لـ بيروت تايمز: المسيحيون شركاء لا متفرجون في بناء الدولة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الأب طوني خضره لـ بيروت تايمز: المسيحيون شركاء لا متفرجون في بناء الدولة

09/09/2025 - 15:09 PM

Bt adv

 

بيروت - بيروت تايمز - تحقيق خاص من اعداد منى ابراهيم منصور

 

في زمن تتكاثر فيه التحديات وتضيق فيه فرص الأمل، يبرز الأب طوني خضره كواحد من الأصوات النادرة التي اختارت أن تُقاوم بالعمل، وتُبادر بالرسالة، وتُكرّس حياتها لخدمة الإنسان والوطن. رجل دين واجتماع، لا يكتفي بالوعظ، بل ينزل إلى الميدان، حاملاً همّ الشباب اللبناني، وساعيًا إلى ترسيخ حضورهم في مؤسسات الدولة، لا سيما المسيحيين منهم، الذين لطالما عانوا من التهميش والتهجير.

من خلال مؤسسة "لابورا"، التي أسّسها عام 2008، أطلق الأب خضره مشروعًا وطنيًا متكاملًا، هدفه إعادة التوازن الطائفي إلى الوظائف العامة، وتوفير فرص عمل تحفظ كرامة الشباب وتُبقيهم في أرضهم. لم تكن "لابورا" مجرّد مبادرة، بل تحوّلت إلى حركة تغيير حقيقية، أرقامها تتحدث عن نفسها: أكثر من 13,500 شاب وشابة تم توظيفهم، نحو 130,000 شخص تلقوا توجيهًا مهنيًا، وأكثر من 41,000 وظيفة شُغلت بالتنسيق مع الإدارات العامة.

لكن إنجازات الأب خضره لا تُقاس بالأرقام فقط، بل بالرسالة التي يحملها. فهو لا يرى نفسه موظفًا في قضية، بل "رسوليًا" في نضال مستمر من أجل الحفاظ على الهوية اللبنانية والمسيحية، مؤمنًا بأن خلاص لبنان لا يأتي إلا من خلال التكاتف بين جميع أبنائه. في خطاباته ومداخلاته الإعلامية، يُشدد على أن المسيحيين ليسوا "ذمية صامتة"، بل شركاء فاعلون في بناء الدولة، وأن الكفاءة يجب أن تكون معيار المشاركة، لا الطائفة أو الولاء.

الأب خضره لا يهادن في الحق، ولا يُساوم على المبادئ. يدعو إلى الوحدة الوطنية والمسيحية، ويرفض التفرقة والتفرّد في اتخاذ القرارات المصيرية. يرى في الشباب اللبناني طاقة لا تُستهان بها، ويحثهم على تحمّل مسؤولياتهم الوطنية، بعيدًا عن منطق الغبن والتشكي.

في زمن الانهيار، يبقى الأب طوني خضره نموذجًا حيًا لرجل الدين الذي يُجسّد الإيمان بالفعل، ويُحوّل الرسالة إلى مشروع حياة. هو صوت صارخ في برّية الوطن، لا يطلب مجدًا شخصيًا، بل يسعى إلى أن يبقى لبنان وطنًا يُشبه أبناءه، لا وطنًا يُقصيهم. 

وإلى اللقاء الشيق مع الأب طوني خضرا، حامل رسالة "لابورا":

 

المحور الأول: النشأة والرؤية

  • هل يمكن أن تحدثونا عن بداياتكم، مسيرتكم الدراسية، وتكوينكم الروحي؟ دراستكم اللاهوتية والفلسفية وكيف ساهمت هذه النشأة في تشكيل رؤيتكم المجتمعية والرسالية لاحقًا وما هي نشاطاتكم الدينية قبل تأسيس مؤسسة لابورا؟

- انتقلت من القرية في العام 1974 محرومًا من الإهتمام سواءً من الكنيسة أو من الدولة، وذلك لأنّنا من قرية من قرى الأطراف المتروكة والمهمَلة. دخلت حضن الرهبانيّة الأنطونيّة وبدأت مسيرتي الروحيّة من خلال متابعة الدروس الإبتدائيّة والثانويّة، ثمّ انتقلت عام 1981 إلى دير الإبتداء في الرهبانيّة، حيث أمضيت سنتين من التثقيف الديني والحياة الروحيّة. عام 1983، انتقلت للدراسة اللاهوتيّة والفلسفيّة في روما، وهنا بدأت حرب جديدة في لبنان، فأمضيت أكثر أوقاتي في الدفاع عن القضيّة اللبنانيّة وقضيّة المسيحيين بشكل خاص لجهة إبعاد شبح القتل عنهم، فقمت بجمع المساعدات والأدوية من أجل دعم المسيحيين في لبنان. بعد ذلك، ارتسمت كاهنًا عام 1989، وعشت مراحل الصراع المسيحي- المسيحي المؤلم، وانخرطت في مساعدة الفئتين المتخاصمتين ولملمة جراحهما. تنقّلت بين مراكز عدّة في الرهبانيّة، من الرعيّة إلى مرشديّة الأخويّات إلى العمل الموسيقي، ومن ثمّ التعليم في المدرسة والجامعة. تخصّصت في الإعلام وبدأت مسيرة إعلامية مع تأسيس الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة- لبنان (أوسيب لبنان).

إنّ هذه النشأة التي عشت خلالها الحرمان ومشاكل المجتمع المسيحي وصراعاته الداخلية، شكّلت لديّ توقًا إلى العمل من أجل المكوّن المسيحي ليكون واحدًا والوطن ليبقى متنوّعًا بكلّ اطيافه.

  • ما الذي ألهمكم لتأسيس مؤسسة لابورا؟ وهل كانت هناك لحظة مفصلية دفعتكم لاتخاذ هذا القرار؟

- خلال عملي في سنوات 1989- 1990- 1991، مع الشباب المحاربين والذين التقيتهم في السجون، أدركت أنّ المشكلة الأساسيّة لدى هؤلاء التي دفعتهم إلى الضياع وانخراطهم في الأحزاب بطريقة عشوائية هي مشكلة البطالة وعدم حضانة المجتمع لهم ولطموحاتهم في تأمين فرص عمل لهم والحدّ من هجرتهم. فكانت تلك السنوات مرحلة مفصليّة دفعتني إلى اتخاذ القرار بتأسيس لابورا عام 2007 ولو كان قرارًا متأخّرًا، بسبب الظروف الداخلية القاسية التي عاشتها البلاد.

  • كيف تصفون العلاقة بين رسالتكم الكنسية ودوركم المجتمعي؟

- علّمنا السيّد المسيح أنّ الخدمة هي أساس المحبّة، وقد مات على الصليب لافتدائنا، لذلك لا أرى فرقًا بين رسالتي الكنسية ودوري المجتمعي وأعتبرهما رسالة واحدة. فالمواهب الكنسية كثيرة، من التنسّك إلى التعليم والخدمة الإجتماعية وغيرها، وجميعها سواسية إذا كان المسيح هدف رسالتنا وعملنا.

  • هل هناك تعاون بين مؤسسة لابورا والبطريركية المارونية؟

- إنّ لابورا المسكونية التي تأسّست بالتعاون مع 13 كنيسة في لبنان تتعاون مع الجميع انطلاقًا من رسالتها القائمة على دعوة المسيح: كونوا واحدًا لتشهدوا للحقّ، فكم بالحريّ كنيستي المارونية التي أنتمي إليها. التعاون قويّ مع البطريركية المارونية التي نستلهمها دائمًا لتحقيق أهدافنا ودعم رسالتنا.

  • هل كانت هناك مقاومة أو تحديات في البدايات؟ وكيف واجهتموها؟

- أهمّ الصعوبات هي:

1- صعوبة تسويق لابورا المسكونية التي في تكوينها لا تريد أن تستوعبها جهة واحدة، لا المارونية ولا الأرثوذكسية ولا غيرهما ولا الأحزاب ولا أيّ فئة أخرى.

2- مجّانيّة لابورا بكلّ خدماتها جعلت بعض السياسيين ينزعجون لأنّ المواطن بات يأتي إلى لابورا ليتوظف في القطاعين العام والخاص من دون واسطة أو منّة من أحد، وهذه الحرّيّة لها ثمنها.

واجهنا هذه التحدّيات بالإصرار على شمولية لابورا وتوضيح هدفها الإستراتيجي وهو خدمة كلّ مسيحي من دون تفرقة، لكي تبقى الدولة قويّة بجميع مكوّناتها، ويبقى المكوّن المسيحي صاحب الدور الفاعل داخل الدولة.

 

المحور الثاني: الواقع المسيحي في مؤسسات الدولة

  • ما أبرز مظاهر التهميش الوظيفي التي يعاني منها المسيحيون في لبنان؟ هل لديكم إحصاءات أو دراسات توثق هذا التراجع؟

- إنّ المرحلة الممتدّة من العام 1990 إلى العام 2024، شهدت تهميشًا واسعًا للمسيحيين لأنّ بعض السياسيين من الطوائف الشريكة في الوطن كانوا يقولون جهارًا للمسيحيين: أنتم خسرتم الحرب فلا يحقّ لكم بشيء في الدولة، وبدأ تهميشهم تباعًا وأصبح سحب مراكزهم هدفًا ثمينًا للشركاء في الوطن. فمؤخّرًا على سبيل المثال، تمّ تعيين أكثر من 40 مديرًا عامًّا غير مسيحي من أصل 103 مراكز هي أصلاً للمسيحيين، كما نجحت محاولات أخرى عديدة في سلب مراكز مميزة في الدولة كانت للمسيحيين ولم تعد إليهم حتى الآن.

وفي العام 1990، كانت نسبة المتقدمين المسيحيين إلى وظائف الدولة 45 بالمئة، والمسلمين 55 بالمئة، وأصبحت نسبة المتقدّمين المسيحيين في العام 2005 أقل من 10 بالمئة. وفي العام 2022 قام وزير الأشغال بسحب مراكز الفئة الأولى الأربعة التابعة للمسيحيين وأعطاها إلى الشيعة. كما أن وزراء المالية المتعاقبون من العام 1995 حتى العام 2016، قضموا مراكز أساسية من المسيحيين في دوائر المكلفين الكبار، وبالتالي تمّ إفراغ هذا القسم من اي مسيحي. هذه الأرقام هي بعض ممّا لدى لابورا من معلومات ودراسات وإحصاءات توثّق تراجع عدد المسيحيين في الدولة، الذي لا يمكن حصره في سطور قليلة.

  • كيف تقيّمون أداء الدولة في الحفاظ على التوازن الطائفي في الوظائف العامة؟

- في الدستور اللبناني والقوانين المرعيّة والأعراف المتّبعة، تعترف الدولة اللبنانية بضرورة الحفاظ على التوازن الطائفي في الوظائف العامة، وهذا واضح وجليّ حتى في قرارات مجلس الخدمة المدنية الذي يهتم بهذه الوظائف، غير أنّ المسؤولين في الدولة من جميع الأطياف وخدمةً لمصالح خارجية غير لبنانية، قاموا بتدمير هذا التوازن بقصد تهميش المسيحيين وبالتالي ضرب التنوّع في الدولة.

  • هل ترون أن هناك إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذا الخلل؟

- في السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين، تابعنا ما كان يقوله المسؤولون السياسيون مثل: "أوقفنا العدّ"، "مناصفة إلى الأبد"... ولكن سؤالنا الكبير أمام هذه الشعارات هو: كيف نطبّق فعليًّا هذا الأمر ونحفظ التوازن ونعالج الخلل؟

لذلك، نعتقد بوجود إرادة سياسية لمعالجة الخلل ولكن المطلوب لتحقيق هذه الإرادة هو خطة شاملة واضحة توصل إلى الهدف، لأنّ الأمن الحقيقي في لبنان لا يتحقّق إلاّ بالحفاظ على التنوّع ومشاركة الجميع في إدارة الدولة.

المحور الثالث: دور لابورا العملي

  • كيف تعمل لابورا على تأهيل الشباب لسوق العمل؟

- تقوم لابورا أوّلاً بتنظيم حلقات توجيه في المدارس والجامعات والجمعيات والأحزاب، من أجل بثّ روحية البقاء والمقاومة ومعرفة حاجات سوق العمل وبالتالي الإختصاصات المطلوبة. كما تقوم لابورا بتنظيم دورات تدريبية مكثفة لمن نستطيع إقناعهم بالإنخراط في وظائف الدولة العسكرية والمدنية. بالإضافة إلى ذلك تتعاون لابورا مع الشركات في القطاع الخاص التي تطلب موظفين مدرَّبين من قبل لابورا وجاهزين للإستفادة من الفرص المتاحة، وذلك بمعدّل 100 فرصة عمل شهريًّا. وأخيرًا تتابع لابورا جميع الذين توظّفوا من خلالها في القطاعين العام والخاص، لمساعدتهم في حلّ المشاكل التي تعترضهم والحفاظ على مراكزهم، وإعادة توظيفهم إذا لزم الأمر.

  • ما هي أبرز القطاعات التي تركزون عليها في التوظيف؟

- تركّز لابورا على جميع قطاعات التوظيف إجمالاً، ففي القطاع العسكري، تسعى لابورا إلى تطويع أكبر عدد ممكن في جميع الأسلاك، من الجيش إلى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، والجمارك. وفي الأسلاك المدنية تسعى لابورا إلى تلبية الوظائف الشاغرة في الضمان الإجتماعي، الوزارات كافة، وزارة المالية الجامعة اللبنانية وغيرها.

أمّا في ما يتعلّق بالقطاع الخاص، فلدى لابورا أكثر من 3000 شركة تتعاون معها من خلال تلقّي فرص العمل الموجودة لديها، وتتلقّى بالمقابل معدّل 150 طلب توظيف، فتحاول الجمع بين العرض والطلب لتأمين أكبر قدر ممكن من فرص العمل في هذا القطاع.

  • هل هناك تعاون مع الجامعات أو المؤسسات التربوية؟

- نعم، التعاون مع الجامعات والمؤسات التربوية ضرورة قصوى، لأنّ المشكلة الأساسية لدى الشباب هي عدم معرفة الإختصاصات المطلوبة وكيفية اختيارها، لذلك تتعاون لابورا مع الجامعات والمؤسسات التربوية من أجل تنظيم حلقات توجيه حول الوظائف المطلوبة وتطوير المناهج وخلق اختصاصات جديدة يطلبها سوق العمل، كما تطلب لابورا من المؤسسات التربوية ان تضخّ دمًا جديدًا في وظائف الدولة والقطاعات العسكرية من خلال تشجيع خرّيجيها على الإنخراط في هذه الوظائف.

 

  • كيف تتابعون حالة الشباب بعد توظيفهم؟ وهل هناك دعم مستمر؟

- تتمّ متابعة الشباب بعد توظيفهم ودعمهم بشكل مستمر ومساعدتهم في تطوير عملهم من خلال دورات تدريبية متخصّصة تتوافق مع نوع عملهم، كما أنّها تساعدهم في الأمور القانونية عند الحاجة، بخاصة في حال التعدّي على حقوقهم في القطاع العام بشكل خاص، أو إعاقة حقّهم بالتدرّج والتقدّم وشغل المراكز التي يستحقونها.

  • هل تواجهون صعوبات في إقناع المؤسسات بتوظيف المسيحيين؟

بالنسبة إلى القطاعات العسكرية، لا يوجد مشاكل بالمبدأ لأنّ هناك قرار لبناني بحفظ المناصفة، ولكن المشكلة الأساس تكمن في عدم حماس الشباب المسيحيين والمؤسسات التي يتخرّجون منها للإنخراط في المؤسسات العسكرية. أمّا في ما يتعلّق بالوظائف المدنية الرسمية، فإنّ عدم العدالة في الإعلان عن الوظائف في حينها، يؤدّي إلى تهريب هذه الوظائف وحرمان المسيحيين في أحيان كثيرة من التقديم إليها.

 

المحور الرابع: الرسالة الروحية والمجتمعية

  • كيف توازنون بين دوركم الكنسي ودوركم الوطني؟

- لا أستطيع التفريق بين دوري الكنسي ودوري الوطني، فكلّنا للوطن وكلّنا للربّ وللكنيسة، والخادم الأمين يكون أمينًا في كل ّالحالات وكلّ الأمكنة. هذه قناعتي التي لا تقلّ قيد أنملة عن دور الكاهن الذي يقف على المذبح ويعظ الناس، أو عن دور الراهبة التي تدرّس التعليم الديني في المدرسة. فالربّ أوصانا أن نحافظ على جماعاتنا ورسالتنا، وعلى وطننا وشعبنا. ولا فضل لإنسان على أخيه الإنسان إلاّ بالخدمة والتقوى. وأنا أستلهم جملة من أحد المفكّرين التي تقول: "قمّة العبادة خدمة الإنسان"، هذا الإنسان الذي جاء الربّ ليخلّصه، لذلك فالمشكلة عندي ليست مجرّد مشكلة توازن، بل مشكلة غوص في خدمة شعبنا الذي أوصانا به الربّ قائلاً: فليكن كبيركم خادمكم.

  • ما هي الرسالة التي توجهونها للشباب اللبناني في ظل الهجرة والانهيار الاقتصادي؟

- للشباب أقول: كلّ بلد معرّض للأزمات، ولكن لا يعيش بلد من دون الشباب. الوطن ليس فندقًا نقيم فيه ساعة نريد ونتركه ساعة نريد. لبنان لا يُبنى بأيدي الفاسدين الملطّخة بدماء الأبرياء، بل بأيديكم أنتم، أنتم أمل الوطن فلا تتركوه مهما كانت الصعوبات. الإنهيارات الإقتصادية تطال العالم كلّه، اليوم في لبنان وغدا في بلد آخر. الصمود هو الحلّ لنعيد إلى لبنان دوره الرائد في هذا الشرق. وأقول للشباب أيضًا: إذا ذهبتم فلا تبقوا بعيدين عن وطنكم كثيرًا، بل عودوا عندما تسنح لكم الفرصة لتُغنوا لبنان بطاقاتكم وترفعوا اسمه عاليًا فيبقى وطن الرسالة.

  • هل ترون أن الكنيسة يجب أن تلعب دورًا أكبر في القضايا الاجتماعية؟

- لو كانت الظروف عادية في لبنان، فإنّ ما تقوم به الكنيسة هو كافٍ ربّما، لأنّ دورها الأساس هو دور روحي وتربوي أكثر ممّا هو إجتماعي، ولكن بسبب ما نعيشه من ظروف إقتصادية واجتماعية صعبة، فعلى الكنيسة أن تلعب دورًا أكبر سواءً من خلال إعادة النظر بأقساط المدارس والجامعات أو من خلال وضع إمكانيات أوقافها في خدمة مشاريع خاصة بالشباب، سكنية أو إستثمارية. ونحن أبناء الكنيسة نشدّد دائمًا على أهمّيّة هذا الدور ولا نتوقّف عن تقديم المشاريع المتعلّقة به.

  • كيف تردون على من يعتبر أن المطالبة بحقوق المسيحيين تُضعف مفهوم المواطنة؟

- إنّ ما تقوم به لابورا يصبّ في خدمة المواطنين والحفاظ على الوطن من خلال الحفاظ على التوازن والتنوّع، وبالتالي مطالبتنا بحقوق المسيحيين تعزّز مفهوم المواطنة ولا تتعارض معه. إنّ قوّة لبنان هي من قوّة تعدّد طوائفه ومكوّناته الروحيّة والثقافيّة، والمواطنة الحقيقية تفترض أن تكون جميع مكوّنات الوطن فاعلة فيه وشريكة في صنع القرار، وهذا ما تعمل عليه لابورا وتؤمن به. وإذا كانت هذه القناعة في نظر البعض تهمة فنحن لا ننفيها.

 

المحور الخامس: التحديات والنجاحات

  • ما هي أكبر التحديات التي واجهتموها خلال مسيرتكم في لابورا؟

- التشرذم المسيحي الداخلي هو أكبر التحدّيات، من هنا ضرورة العمل على تحقيق التعاون والوحدة في التنوع. والتحدّي الآخر هو تصلًب الشريك في الوطن وقضم حقوقنا ومراكزنا. كما نواجه دائمًا تحدّي يأس الشباب من السلطات الكنسية والسياسية ولامبالاة المسؤولين تجاه قضايا شعبهم الملحّة.

  • هل هناك قصة نجاح معينة أثّرت بكم شخصيًا؟

- أصادف كلّ يوم قصصًا تلهمني، واستمدّها من الناس، على غرار قصة شابة تدرّبت في لابورا والتقيتها بعد 6 سنوات في إحدى المناسبات وقد أسرعت إليّ وبادرتني بالقول: لابورا غيّرت حياتي مشيرة إلى المركزالذي وصلت إليه في إحدى القنصليات الأوروبية. وفي قصة ملهمة أخرى، اتصلت بي إحدى الأمّهات لتشكرني على مساعدة ولدها على البقاء في لبنان من خلال تأمين عمل له، بعد أن كان متّجهًا إلى الهجرة وحرمان أهله من وجوده. أخيرًا لا أنسى والد أحد الشباب الذي اتصل بي ليقول إنّ ابنه الموجود في كندا قرّر العودة والإلتحاق بالمدرسة الحربية بعد أن سمع تسجيلاً لي أدعو فيه إلى ضرورة انخراط الشباب في الأسلاك العسكرية. وها هو اليوم في عداد من يتمّ تحضيرهم لمباريات المدرسة الحربية في لابورا.

  • كيف تتعاملون مع الانتقادات أو الحملات المضادة؟

- نتعامل بإيجابية مطلقة مع الإنتقادات البنّاءة التي تهدف إلى تحسين الأداء، أمّا الإنتقادات غير البنّاءة والحملات المضادّة فنتجاهلها ونكمل المسيرة، لأنّ همّنا الأساس هو العمل الدؤوب على مساعدة الشباب وليس الدفاع عن أنفسنا أو عن جمعيّاتنا.

  • هل سبق أن شعرتم بالإحباط؟ وما الذي يعيد إليكم الحافز؟

- الشعور بالإحباط تجربة مستمرة بسبب كثرة الصعوبات والتحدّيات، ولكنّنا لم نستسلم أبدًا لأنّ إيماننا بما نقوم به هو أقوى من ايّ إحباط أو شعور باليأس. على العكس أنا اشعر دائمًا بالفرح في عملي، فأنا عامل في حقل الربّ ورئيسي هو يسوع المسيح. لم أقم بأي خطوة أو أيّ مشروع إلاّ بعد قراءة علامات رضا الربّ، مردّدًا مع الأم تيريزا: "نحاول أن نصلي من خلال عملنا، بأن نقوم به مع يسوع، لأجل يسوع، ونقدّمه ليسوع."

المحور السادس: الطموحات المستقبلية

  • هل هناك مشاريع جديدة أو توسعات مرتقبة؟

- مشاريع لابورا عديدة ولكن أهمّ المشاريع الموجودة الآن هي: Sperare المنصة الإلكترونية التي أطلقتها مؤسسة لابورا في عام 2021، كـ "فسحة أمل" للشباب اللبناني الباحث عن عمل، ولربط المجتمع بسوق العمل، الدورات التدريبية، المبادرات، والفرص المتاحة بغض النظر عن الموقع الجغرافي. المنصة هي بوابة رقمية تجمع بين الباحثين عن عمل وأصحاب العمل، وبين المتدربين والمراكز التدريبية، كما تتيح عرض المبادرات والمشاريع التي يمكن أن تعود بالفائدة على الأفراد والمجتمع.

وسعيًا إلى المساهمة في معالجة التشرذم المسيحي، وتحقيق الوحدة الإستراتيجية ولو حول الأمور المصيرية، تمّ إنشاء تجمّع باسم "المؤتمر المسيحي الدائم" الذي ينكبّ على تعزيز أطر التعاون والتنسيق بين جميع الفعاليات المسيحية العاملة على الأرض في مختلف الميادين.

كما يتم العمل على مشروع استراتيجي يتعلق بكيفية استثمار الأراضي المسيحية للحد من خسارة الأرض سواء بالبيع أو بالإهمال أو بوضع اليد بالقوة. ولأنّ الأرض أساس التجذّر والبقاء، يتمّ التحضير لمشروع زراعي على مستوى لبنان، يهدف إلى إرشاد المزارعين وتعميم الثقافة الزراعية الفعالة والحديثة من أجل محصول أفضل وأسواق تصدير أوسع.

  • هل تفكرون في توسيع نشاط لابورا خارج لبنان؟

- تستعدّ لابورا لإطلاق مشروع "لابورا انترناشونال" الهادف إلى تسليط الضوء على أوسع مجموعة من فرص العمل، الخدمات والمبادرات المتاحة ضمن المجتمع اللبناني في الوطن وحول العالم، لتعزيز التواصل والتفاعل بين اللبنانيين أينما وُجدوا في أنحاء العالم، لتشكيل اكبر شبكة تعاون بين اللبنانيين في العالم، متّحدة في الرؤية، قويّة في الحضور، وفعّالة في التأثير.

  • كيف ترون مستقبل لبنان من منظور العدالة والشراكة؟

- إنّ تحقيق العدالة والشراكة يتطلّب المساواة الإجتماعية، فلا عدالة ولا شراكة في ظلّ الهيمنات سواءً أكانت بالسلاح أم بالسياسة. فإذا تحقّق مشروع الدولة اليوم بحصر السلاح بيد الجيش والقوى الشرعية، وتطبيق القوانين على الجميع، فإنّ العدالة والشراكة تصبحان قابلتين للتحقيق.

  • ما هي رؤيتكم لعلاقة المسيحيين بالدولة في السنوات القادمة؟

- منذ تأسيس لابورا ونحن ننادي بأنّ لا دولة من دون المسيحيين، وقوة المسيحيين من قوة الدولة وقوة الدولة من قوة المسيحيين، لذلك فلا نرى العلاقة بين المسيحيين والدولة إلا علاقة ترابط وتضامن وتضحية. وعندما يستعيد المسيحيون دورهم الريادي هذا يعود لبنان موئلاً للجميع.

  • دوركم الكبير في دعوة الشباب المسيحي في الانخراط في الجيش اللبناني؟

- يكمن دورنا في حملات التوجيه بالتعاون مع قيادة الجيش اللبناني وفي العمل على تعزيز الحوافز وتشجيع الشباب على التطوع وتدريبهم وتحضيرهم تبعًا لما تطلبه مديرية التوجيه سواء على صعيد تطويع أفراد أو ضبّاط اختصاص أو مدرسة حربية. ولا بدّ من توجيه الشكر الكبير إلى قيادة الجيش على التعاون البنّاء والإصرار على حفظ التوازن والتنوع في هذه المؤسسة التي نحترم ونجلّ.

المحور السابع: الشخصية والقيادة

  • كيف تصفون أسلوبكم القيادي داخل مؤسسة لابورا؟

- دور المسؤول أو القيادي في أيّ مؤسسة ليس الغوص في التفاصيل، بل التشجيع والتحفيز ومنح الصلاحيات وتوزيع المسؤوليات، بالإضافة إلى المتابعة الحثيثة لتنفيذ الإستراتيجية الموضوعة، وهذا ما أسعى إلى أن أكونه في لابورا.

  • من هم الأشخاص الذين ألهموكم في مسيرتكم؟

- يلهمني دائمًا فريق العمل وكلّ من يحيط بي من مستشارين ومتعاونين وأصدقاء ووجوه كنسيّة واجتماعيّة عظيمة مرّت بي خلال مسيرتي. ولذلك أقول دائمًا للفريق، بخاصة المتطوّعون منهم إنّني أنتمي إلى رهبانيّتين: الأنطونيّة وأنتم. فالعمل المجاني والإخلاص في الوظيفة هما صفتان أساسيّتان شبه نادرتين نتعلّم من أصحابهما كيف ننجح ونفرح بالعطاء.

  • كيف تحافظون على التوازن بين العمل، الرسالة، والحياة الشخصية؟

- حياتي الشخصية أصبحت اليوم أن أعمل إرادة أبي الذي في السماوات، ورسالتي هي أن أخدم. عندما أحتاج إلى مراجعة الأمور، أعود إلى مخدعي وأصلي. وحيث تدعوني رسالتي أكون. عندما أعمل يكون يسوع هو محور عملي لأنني أؤمن بما قاله لنا: يا بنيّ ارني إيمانك من أعمالك، وأنا اضيف: أرني أعمالك من إيمانك. عندما يتعمّق الإنسان في الحياة، لا يعود يفصل بين العمل والرسالة والحياة الشخصية، فالحياة واحدة والرسالة واحدة والعمل واحد، وكلّ شيء مع المسيح هو ربح.

  • كلمة أخيرة الى قراء بيروت تايمز والمغتربين في الولايات المتحدة الأميركية.

- شكري الكبير إلى "بيروت تايمز" وأسرتها وجمهورها، آملاً أن تقدّم هذه المقابلة شيئًا مفيدًا للناس.

أمّا للمغتربين فأقول إنّ لابورا لا ترى فيكم صندوق مال كما يرى البعض، بل شركاء حقيقيون وأبناء، وبناة لبنان الجديد. نحن بحاجة إلى طاقاتكم وفكركم وحضوركم إلى جانبنا لتستمر رسالتنا وننتصر على التحدّيات. إنّ تأمين وظيفة هو تأمين حياة، وهذا ما نحتاج إليه. لسنا هنا لنعطي الإنسان كرتونة مساعدات يجوع بعد أن تنتهي، ولكننا هنا لنؤمّن له صنّارة فيستطيع أن يؤمّن قوته وحياته بكرامة، وأن يصطاد بنفسه في بحر الحياة أهمّ وأجمل الفرص.

 

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment