bah زلزال استراتيجي يغير موازين القوى الإقليمية والدولية - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

زلزال استراتيجي يغير موازين القوى الإقليمية والدولية

09/18/2025 - 18:48 PM

Prestige Jewelry

 

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *

 

قيام إسرائيل بضرب قادة حماس في الدوحة مقامرة استراتيجية، ستجعل الأطراف الإقليمية البحث عن توازنات جديدة، وأي عدوان يولد تحالفات مضادة تعيد ضبط موازين القوى، كم كان الغرب حريصا على كسب ود إيران، لكن الضربات الأمريكية الإسرائيلية جعلت إيران تتجه نحو الشرق وتنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون.

بالطبع لا يعني ذلك بعد الضربة الإسرائيلية للدوحة نهاية للتحالف الخليجي الأمريكي، لكنه يناقش مدى جدوى التحالف الآحادي الذي حكم المنطقة لعقود، بل هناك ملامح انتقال تدريجي قد اتخذته السعودية منذ الضربات التي استهدفت بقيق وخريص في 14 سبتمبر 2019 سبق هذه الضربة إسقاط إيران لطائرة أمريكية كيو 4 هوك نفذت بصاروخ أرض جو في 20 يونيو 2019 ولم ترد الولايات المتحدة في عهد ترمب في نفس التوقيت.

جعل السعودية تتجه نحو البحث عن التعددية الاستراتيجية ليس المقصود التخلي عن الولايات المتحدة كشريك تاريخي، لكن الهدف البحث عن شريك دولي موازي مثل الصين وروسيا، وبالفعل نجحت السعودية في رعاية بكين تهدئة بينها وبين إيران في 16 مارس 2023، ولا يعني هذا التحول أزمة في التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة، بل هو انعكاس طبيعي في تحولات لعالم متعدد الأقطاب.

توصلت دول مجلس التعاون الخليجي بعد ضرب إسرائيل الدوحة، قد يكون لخلط الأوراق مستفيدة من فائض القوة التي امتلكتها بعد طوفان الأقصى، لكن من يضرب الوسيط يراكم عزله، خصوصا بعدما اصطدم نتنياهو بالسعودية التي حشدت العالم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ساهمت في عزلة إسرائيل، لأن من يصوغ مشروعا دوليا يراكم شرعية تخيف نتياهو، ولكنه يركن إلى ترمب للاستنجاد به كداعم لإسرائيل.

 في المقابل يود نتنياهو أن يصبح تهجير الفلسطينيين ورقة للمقايضة، ووقف التصعيد مقابل تنازلات تخص التهجير، أي تسويات غير متكافئة، وهي مقاربة السلام كما في المبادرة العربية 2002 بالتسليم، أي الغاء الأرض مقابل السلام، وهي فرصة للنتنياهو توظيف فائض القوة في التصعيد كوسيلة لإعادة تشكيل الواقع الفلسطيني والإقليمي بالقوة، وجعل مسألة التهجير في صلب المقايضة الاستراتيجية بدعم ترمب، فهو تهديد أمني تكشف هشاشة النموذج الأحادي الذي ظنت بعض دول الخليج ان الولايات المتحدة ضامنة لأمنها، لكن السعودية تحررت من تلك الرؤية، لكن بعد ضرب إسرائيل الدوحة أصبحت كل دول الخليج يمنحها مرونة أوسع في إدارة شبكة تحالفات متعارضة أحيانا مع التحالف مع الولايات المتحدة، ومتشابكة أحيانا.

اقتنعت جميع دول الخليج وبشكل خاص الدول التي كانت تعتقد أن الولايات المتحدة ضامن لأمنها، وبشكل خاص الدوحة بعدما اعتبر بايدن أن الدوحة دولة حليفة خارج الناتو، وزار ترمب الدوحة، وهي إشارة إلى ان الولايات المتحدة تضمن أمن الدوحة باعتبار فيها أكبر قاعدة أميركية العديد في قطر.

 ما يعني أن دول مجلس التعاون الخليجي يفرض عليها ليس فقط إعادة صياغة معادلاتها الأمنية بما يحفظ استقلال قرارها الاستراتيجي، ولكن أيضا كما تفعل السعودية التوجه نحو الحصول على أسلحة ردعية موازية للأسلحة الردعية لدى إسرائيل، ولن تتنازل هذه المرة في الحصول على هذه الأسلحة الردعية لمنع إسرائيل من الاعتداء على أي دولة من دول الخليج، بل يسمح لها مساحة مناورة أوسع في النظام الدولي الجديد، واستثمار التنافس بين القوى الكبرى لإدارة التحديات، حيث وظيفة الأمن في الواقعية الجديدة هي قدرة الدولة على التكيف مع بيئة دولية عالية التقلب وعدم اليقين، وليس رهنا بقوة واحدة مهما كانت العلاقة بقوة كبرى آحادية، إلى جانب توقيع اتفاقيات دفاعية مشتركة مثل توقيع السعودية مع باكستان الاعتداء على أحدهما اعتداء عليهما معا.

ولا تخشى السعودية أن تفرض إسرائيل هيمنتها على الشرق الأوسط كما يدعي نتنياهو ويردد مقاولاته جماعات كارهة للسعودية، بسبب أن رؤية نتنياهو لا تستند إلى معطيات واقعية واستراتيجية، بسبب ان لدى إسرائيل محدودية في عناصر القوة الشاملة، رغم امتلاك إسرائيل تفوقا عسكريا نسبيا، بينما عناصر الهيمنة تتطلب عناصر أخرى إلى جانب القوة العسكرية، بينما إسرائيل تحتل مساحة جغرافية صغيرة جدا لا تتجاوز 22 ألف كلم2 وسكانا 7.3 مليون لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، فهي لا تمتلك مساحة جغرافية ولا جدارا بشريا مستداما، فهي تعاني هشاشة جيوسياسية وجيوقتصادية تقع في بيئة معادية، والشرق الأوسط ليس فراغا تنتظر إسرائيل ملؤه، ولن تستمر سوريا والعراق ولبنان دول ضعيفة إلى الأبد كم اتريد إسرائيل، فيما هناك دول فاعلة استراتيجيا تركيا مصر والسعودية كلها دول تمتلك قوى ناعمة وصلبة وعمق جغرافي وثقل سكاني وقدرة على الاستدارة الاستراتيجية.

تصطدم إسرائيل رغم الدعم الأمريكي بتحولات في بنية النظام الإقليمي والدولي ما يضعف فرصها كدولة منبوذة ومعزولة إن لم تقبل بدولة فلسطينية مستقلة، ولن تمثل شيئا أمام تحالفات عربية إسلامية مثل التحالف السعودي الباكستاني، باعتباره عمق نووي وقناة صينية، لرفع سقف الردع، وخبرة صناعية عسكرية، ونافذة عملية نحو التكنولوجيا الصينية الحساسة في الدفاع الجوي والحرب السبرانية، ومع تحالفات أخرى على غرار التعاون مع تركيا في التصنيع العسكري، وبشكل خاص الشراكة في صناعة المسيرات والحرب الإلكترونية، ومع دول كثيرة في أنحاء العالم وعلى راسها الولايات المتحدة.

 حيث النواة السعودية الصلبة في دفاع جوي صاروخي متنوع يكسر الاحتكار لصالح سلة هجينة تزاوج بين باتريوت وثاد ومنظومات صينية متقدمة مثل HQ-9B و HQ-22 تربط جميعها بشبكة إنذار مبكر خليجية مشتركة، أي تقنن قوة خليجية بعيدة عن التسيس وقت الطوارئ، تقلص زمن القرار وتجهض المفاجأة، على غرار ما تقوم به تركيا ببناء قبة فولاذية لحماية نفسها من الهجمات المفاجئة، بل تتجه السعودية نحو اقتصاد الردع أي التحول من فاتورة مستنزفة إلى قيمة مضافة ترفد الاقتصاد الوطني قوة.

 

 

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا

       Dr_mahboob1@hotmail.com

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment