حسن احمد عبدالله *
غريب امر قادة اليمين اللبناني الذين سرعان ما يتنازلون عن شعاراتهم تلبية لرغبة مشغلهم خلف البحار، والاغرب ان زعيم احد الاحزاب، تخلى عن "السيادة" التي ينادي بها لان فصائل معارضة لنهجه قادت المقاومة ضد العدو الصهيوني، وقال حرفيا: "لماذا لا ينسحب "حزب الله" الى ما بعد جنوب الليطاني، وبل عشرات المرات اكثر من ذلك"؟
تناسى هذا السياسي انه يرفع شعار "السيادة اللبنانية" ويطالب هو وحزبه، والجماعة التي يتنمي اليه، بـ"لبنان 10452 كليومتراً" بوصفه الحدود المعترف بها دولياً، ولا يتناسى ان ضمن تلك المساحة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والقرى السبع المحتلة منذ العام 1948.
فيما الحقيقة ان المطالبة بإنسحاب احد الاحزاب من منظقة معينة ذر للرماد في العيون، لان معنى ذلك اخلاء 400 الف لبناني قراهم ومدنهم، فالمقاومة التي اليوم تأخذ طابعا اسلاميا وليست مجرد جيش، انما هي من ابناء المنطقة، وكانت طوال تاريخ الصراع العربي- الاسرائيلي وطنية بامتياز، ومنذ العام 1996 اصبح لـ"حزب الله" القوة ليكون لاعباً في المعادلة اللبنانية، والاقليمية، لانه منذ العام 1982 وحتى تلك السنة كان احد الفصائل المشاركة في المقاومة، وبالتالي لم يكن وحده القوة المقاتلة.
لسنا هنا في تعداد انجازات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ولا غيرها من الفصائل التي اخذت على عاتقها الدفاع عن لبنان بوجه العدو الصهيوني منذ وجد هذا الكيان على حدودنا، الا ان الاضاءة على بعض المفاصل مهمة في سياق توضيح سوء النية وطنيا لهذا الفريق الغبي، مع امر له اهمية مصيرية، كالسيادة الوطنية التي لا تقبل المساومة، واللعب على المصطلحات، للنكاية فقط، او خدمة لمشروع لا يمكن تحقيقه، مثل التخلي عن "لبنان الكبير" سعياً الى تحقيق "لبنان الصغير" المتفق عليه في العام 1946 مع الوكالة اليهودية.
يغالط هذا الزعيم السياسي نفسه حين يطالب بذلك، "فقط لان فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة طلبت ذلك"، بل هو يسوغ لغيره وبغباء طرد مكونات لبنانية من وطنها.
صحيح ان هذا المنطق مرفوض كلياً من النخب الوطنية اللبنانية، لان "لبنان الحالي الذي انتجته صيغة العام 1920" اصبح واقعا، والدفاع عن حدوده بات مكلفا في كل المراحل، وليس خدمة لهذا المشروع الاقليمي او ذاك.
لكن العوار في الرؤية الوطنية دفعت اليمين الغبي الى الشطط، بل الى ارتكاب الحماقات في شأن مصيري سيادي لا يمكن تأويله، الا اذا كان المقصود في "السيادة الشعاراتية" المرفوعة من هذه القوى غير "السيادة اللبنانية" عندها، لا بد من توضيح الامور كي يستقيم النقاش.
الاكثر حماقة في هذا الامر، ما ذهب اليه زعيم "حزب الكتائب" اللبنانية سامي الجميل، حين قال: "ان منذ توقيع "اتفاق الهدنة" حتى العام 1969 لم تكن هناك اعمال حربية اسرائيلية ضد لبنان"، محملا القوى الوطنية وزر مقاومة الاحتلال، فات هذا الزعيم ان يراجع ارشيف جريدة "العمل" الناطقة باسم حزبه، وكذلك ارشيف الصحف اللبنانية، وبخاصة اليمينة منها، التي وثقت 270 عدواناً اسرائيلياً على لبنان منذ 23 اذار/ مارس 1949 حتى العام 1968، وكانت حصيلتها نحو 600 شهيد مدني لبناني، ونحو 1800 جريح من سكان القرى الحدودية، وما يزيد عن تدمير نحو 300 منزل، واحراق ما يزيد عن الفي دونم من المزروعات والاشجار المثمرة، وقتل نحو الفي رأس ماشية.
طبعا من التعمية على هذا الامر يسعى هذا "الزعيم" الى عدم الاعتراف بلبنانية وهؤلاء المواطنين، ولا هذه الارض، لانه بنى نظريته على مقاس بعض الاقضية التي تؤلف لبنانه هو، لهذا هو لا يعترف بهؤلاء الشهداء المدنيين، الذين بالمناسبة بينهم نحو 180 مسيحياً من قرى الغالبية المارونية الجنوبية،و 20 درزياً،و 250 سنياً، والباقي من الطائفة الشيعية.
في المقابل كان رد النظام السياسي الذي تمثله القوى اليمنية، آنذاك، وهي ذاتها اليوم، بالشكوى الى الامم المتحدة، حتى حين ارتكبت اسرائيل اول جريمة ضد طيران مدني لبناني عام 1950، وسقط نتيجتها شهيدين وبضعة جرحى، عندما لاحقت الطائرات الاسرائيلية طائرة مدنية لبنانية من فوق هضبة الجولان حتى الدامور.
اليمين الاحمق اللبناني ارتكب الكثير من الجرائم السياسية ضد لبنان كله، لانه تماهى مع الحلفاء الاوروبيين والغربيين، والصهيونية، وبالتالي فإن تخليه عن "السيادة" ليس مستغرباً، من هنا فإن سمير جعجع او سامي الجميل يخطئان دائما في الحسابات، ولم يتعلما من اخطاءهما، لان الحماقة اعيت من يداويها.
*كاتب، صحافي لبناني
Comments