أيها الأول و الأخير

09/02/2023 - 17:48 PM

وائل كفوري

 

 

المترجمة دعاء عبد الكريم

 

يقول نزار قباني: (الحب للشُجعان الجُبناء تُزوجهم أمهاتهم)، برأيي الحب لا يحتاج إلى شجاعة بقدر ما يحتاج إلى الثقة و أن يؤمن الرجل بالمرأة الناضجة فكرياً و إن لم تكن ناضجة عاطفياً هذا ليس مهماً.

المرأة لا تنضج عاطفياً إلا عن طريق العلاقات المتعددة و لو صادف الرجل امرأة على قدر عالي من الإدراك لكنها تفتقر إلى الوعي العاطفي فهو محظوظ لأنها ستنضج عاطفياً بين يديهِ فيكون حُبه لها بمثابة البذرة التي تغرس في بيداء قلبها، قد يشعر بالخيبة في داخلهُ و لربما يقول: (هي لا تعرف كيف تُسعدني و لا تفهمني و لن نصل إلى نقطة مشتركة عاطفياً لذلك سألقي عليها اللوم لأنها لا تشبه الأخريات، سأبحث عن واحدة أخرى تمنحني كل ما أبحث عنهُ و إن كانت كاذبة المهم أحظى بالحب).

يغادر عالمها بالتدريج في الوقت الذي بدأت تنضج عاطفياً و تحاول أن تحتويهُ كأن تبحث عن طريقة لمعانقة قُنفذ لكنها تكتشف بأن صبرهُ قد نفذ. لذا تعود إلى عُزلتها القاتلة و تحكم إغلاق قلبها عن الجميع فهو كان الزائر الأول و الأخير لكنهُ لم يحتمل شحة مشاعرها و لا ترددها الدائم من أن تخطو خطوة عاطفية باتجاهه لذا تقف على مَقرُبة من قَلبهُ بينما هو يستأجر قلوب الأخريات بأثمان لا تساوي ربع ثمن خلخال إحدى قدميها. فرق شاسع بين من تشتكي أحزانها للآخرين و بين من تناجي القدر لعل ضجيج قلبها يهدئ.

بعد أن يعود إلى حياتهُ الصاخبة، حياة أقرب إلى حياة المراهقين لكن لا يحق لها الطعن في غباء إختياراتهُ الخاضعة لسطوة الغرائز و كيفية تأقلمهُ بهذهِ السرعة. كذبوا حين قالوا إن الحب ينتهي بالغياب و كذبوا أيضاً حين زعموا إن الحبيب يُستبدل بحبيب آخر، الحب لا يتحول إلى أسمى درجاتهُ إلا إذا أرتعش القلب عِشقاً بمن يحب فلا يوجد من يستحوذ على مكان الآخر و لا يوجد من يملئ فراغ أحدهم مهما تعددت الاختيارات.

و أنت تقف على ناصية الحب مُغرم بأحدهم حري بكَ أن تموت فيهِ لا أن تُميتهُ بسهام الهجر و الجفاء فتلك هي عظمة الحب. ليكن حياً في قلبك و إن غادر عالمك لا أن تبحث عمن يمنحك بقايا مشاعرهُ لأن القلوب على طهارتها تلتقي و إن عاشت في أجساد مُتعبة. إياك أن تُصدق بما يقولون كسرك لزجاجة العطر يجعلك تشم عطرها بقوة لكن لآخر مرة، هذا غير صحيح بإمكانك أن تشتري زجاجة أخرى لكن كل ذكريات الزجاجة الأولى ستأسرك رغماً عنك في زنزانة الحنين، حيث الدموع الساخنة ستختلط بتنهيدة تعيدك إلى أول الغرام.

بعد أن تفترق عنها تدرك متأخراً بأنها لا تشبه الأخريات لأنها تشبه اللوحة السريالية لرينيه ماغريت مثلاً أو لسلفادور دالي لن يفهم معناها إلا من ترك سفاهة الأمور الظاهرة و انتقل إلى بواطن الأمور و الغوص في معرفة الجوهر.

من قال إن الاعتذار يصلح كل شيء، ها أنا ذا أعتذر لنفسي آلاف المرات لأنني عرفتها عليك. الشيب بدأ يتخلل خصلات شعري الاصهب من الحزن . أيعقل أن تقضم الأيام كل تلك المسافات لتفقه إنك لم تكسر هذا القلب لكن كسرت مكانتك فيه، تراه لم يعد على قيد الحياة أم أن الغياب الأبدي هو من سيسرد إليك قصة لعلك تبكي على عيون ذبلت بالنظر خلسة لشيء أنت تعلم أكثر من غيرك لم و لن يعود كسابق عهده.

مهما أحرقت نار البعد فؤادك فقد أنتهى ربيع حُبهاً و عشقها أمسى رماد. ليتك تعلم النساء عاليات المقام كالذهب لا يُعرف أصلهُ ما لم يعانقه اللهيب. لذا لا تنتظر عبثاً يا من كنت حاضراً في الذاكرة و غائباً كعادتك، ستبقى عزيزاً كما لو أنك طرقت باب القلب للتو لكن غير مرحب بكَ. عزائي لك فقد انطفأت في سماء حُبي لم تعد لامعاً كما عهدتك.

احفظ داخل ذاكرتك المزدحمة بأشباه النساء أن في النهر نصيب لكل مغترف أما البحر فهو من نصيب الغارقين فيه فقط. أما أنت أيها القلب سأوصد بابك من بعده إلى الأبد، أن تُكمل حياتك بعزلة موحشة خيراً من أن تكون غباراً منثوراً على مرآة أكمه.

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment