حسن الخطيب
هما جملتان قرأتهما على موقع على توتير البارحة كانتا كفيلتين كي أكتب هذا المقال. الجملتين هما.
ريما الرحباني بموضوع الإرث الفني وعاصي ومنصور وفيروز... بكون الحق معها بس بالأسلوب يلي بتعطي فيه رأيها بصير الحق عليها "و "الخوفان على إرث #فيروز لما بتكتب بوستات كلها ما يبكون بعبارات مسخرة وتفاهة وتجريح تحت مسمّى الدفاع عن الملكية الفكرية والحفاظ على الفنّ الراقي لأن ما في شي راقي بهيك أسلوب وهيك مستوى بالبوستات". عند رؤيتي لهاتين العبارتين، عرفت أنّنا سنعود إلى أسطوانة" ليش أسلوبك هبك" و ما ببصير تحكي هبك، أنت بنت فيروز" و "عم تفصلي الأخوين رحباني".
يا أصدقائي، تعبت أقلامنا وتعبت أنامل ريما من كثر المقالات والمنشورات التي نشرت في العقد الأخير من الزمن التي حاولت خلالها ريما شرح كل ما حصل مع عائلة عاصي الرحباني منذ مرض عاصي في أوائل السبعينيات.
تعبنا من كثر الكلام، تعبنا من شرح قضية المرسوم، تعبنا من الكلام عن الإنذارات القضائية، تعبنا من الكلام عن اخراج فيروز من منزلها. ولكن اذا احتاج الوضع، فسنعيد الكلام في كل مرة. تعالَوا نستعرض كل ما حصل مع عائلة عاصي الرحباني لنرى ان كانت ريما على حق. سأستعرض لكم بعض المحطات من الحرب الضروس التي خاضتها هذه العائلة بصمت مطلق منذ العام 1973.
المحطة الأولى – معضلة الأخوان رحباني
أصدقائي، تعبت من استعراض شهادات العظماء حول دور عاصي و منصور. في مقالات سابقة، كتبت عن آراء محمد عبد الوهاب وجوزف حرب وملحم بركات عن دور عاصي ومنصور في الأسطورة الرحبانية ولكن أنشر لكم هذه الصورة كي تضطلعوا عليها مجدداً
الآراء المذكورة أعلاه هي آراء أشخاص عاصروا الحِقْبَة الرحبانية وعملوا بشكل وثيق مع الأخوين. ولكن من يريد التعرف أكثر على دهاليز الأخوين ودور كل منهما في القصة الرحبانية، الأحرى به العودة إلى مقابلة أجراها الأستاذ منصور مع الشاعر هنري زغيب فند بها بصراحة غير معهودة دور عاصي ودوره وتأثير فيروز في المسيرة الرحبانية التي غيرت تاريخ الفن العربي واللبناني.
في هذه المقابلة التي أجريت في العام 1993 على مراحل في منزل الأستاذ منصور في أنطلياس، أطلق الأستاذ منصور العنان لصراحته وتحدث بجرأة وبالتفاصيل والوقائع عن قصة الأخوين وفيروز. تعالوا معاً نغوص في أغوار هذه القصة بالوثائق والصور.
أصدقائي، هل نحتاج إلى استعراض المزيد من الشهادات والمقالات لندرك دور عاصي وفيروز في الأسطورة الرحبانية. هل فهمنا أخيراً أنّ أعمال عاصي قد سرقت منه؟ حتى من دون قراءة المقالات والشهادات، انظروا إلى ما حصل في المسرح الرحباني بعد 1979 لتدركوا أهمية دور عاصي و فيروز.
1979 انطلاقة الحرب على عائلة عاصي الرحباني
فيروز وعاصي الرحباني
ووقع الانفصال في العام 1979، وبدأت الحرب على فيروز وبدأ مخطط الإلغاء. الهدف كان واحداً: فيروز يجب أن تجلس في المنزل، يكفي ما وصلت إليه. يجب إقناع الناس أنّ فيروز لم تكن سوى مؤدية عادية، وأنّه يمكن صنع فيروز أخرى بكل سهولة، فهيا إلى العمل.
إنذارات قضائية عند كل حفل لمنع فيروز من تأدية أعمال الأخوين، حملة في الصحف لتشويه السمعة والتقليل من أهمية أي نجاح، إخراج فيروز من منزلها في الرابية ثمّ من منزل بكفيا. فيما كانت فيروز تقيم سلسلة حفلات بين كندا وأميركا بعد الانفصال وكانت أصداء النجاح تصدح بين القارات، وكانت هناك محاولات لإنعاش المسرح الرحباني الذي توفي سريرياً منذ أن هجره صوت فيروز.
كانت البداية مع رونزا من خلال إعادة مسرحية الشخص في لبنان والسوبرانو عفاف راضي، عبر إعادة عرض نفس المسرحية في مصر.
في هذه الأثناء وكما كتب الصحافي عبد الغني طليس هاجت الذاكرة الشعبية التي اعتادت ربط الأخوين رحباني بفيروز لا بغيرها، واستُقبلت رونزا بسوء بالغ (من دون مناقشة صوتها) لأنها تحولت في نظر الجَمهور بديلا ممن لا يرضى الجَمهور منها بديلا، أي فيروز.
لم يمر وقت طويل حتى اقتنع عاصي ومنصور ان عملية الاستبدال، سواء خططا لها لتكون استبدالا ام لم يخططا، لن تنجح، وان تراجع مستوى الأقبال – قياسا بالماضي – الجماهيري والنقدي على المسرحيتين المشار أليهما مع رونزا، بالاضافة إلى وَهَن نصيهما وبنائهما المسرحي أصلا، أدلة قاطعة على ان شيئا ما، وسيّئا بالتحديد، يجري، وينبغي وضع اليد عليه في التجربة الرحبانية قبل استفحاله. و"تأكد" لعاصي ومنصور ما كان مؤكداً وقد حجبه غبار الخلاف مع فيروز، ان فيروز لم تكن صوتا بل ملهمة جمال، ولم تكن بطلة لمسرحياتهما بل كانت روحا في النص المسرحي نفسه.".
نقد عن مسرحية الشخص في مصر (مقال للصديق عمرو ماهر)
كانت الحملة على فيروز في هذه الأثناء مستعرة وكانت مرتكزة على محورين.
المحور الأول إقناع الجَمهور أنّ فيروز هي من تركت الأخوين وليس العكس، حيث لم يفوت الأخوين فرصة للظهور في الإعلام وإجراء المقابلات المطولة لتعميم روايتهم للانفصال: فيروز تركتنا بجل إرادتها، ونحن حزينين، بس ما رح نمنعها بالقوة.
أدت هذه التصريحات لانجراف كثر من الصحافيين لاتهام فيروز بالغرور وقلة العرفان، حتى وصل الأمر لرميها بالخيانة. على سبيل المثال، نقل رئيس تحرير مجلة الشبكة وقتها، جورج إبراهيم الخوري، عن منصور الرحباني التالي: "ليس مطلوبًا من فيروز أن تحب عاصي، بل المطلوب منها أن لا تحب غير عاصي…"
بعد عقود على تصريحات منصور، قالت ريما الرحباني، اللي كانت مقربة من فيروز وعاصي بفترة الانفصال، انه ترْك فيروز لبيتها كان مخططاً له: "انشغل لأنو ما ترجع فيروز ع البيت. ضهرت معها جزدانها بس.
المحور الآخر من الحملة ارتكز على إظهار فشل فيروز من دون الأخوين فتم الإشراف على حملة إعلامية شنّها أصدقاءهم بالصحافة الفنية العربية، للتعتيم على أولى خطوات فيروز من دون الأخوين : "فيروز حملت معها تكشيرتها الشهيرة"، "فيروز هجرت وادي التيم"، "ماذا دهاك يا عظيمة"، ومانشيتات تانية تنوعت بين السخرية والذم.
لا يمكن نسيان تصريح الأستاذ منصور الرحباني، أنّ أهم عملين أنجزهما الأخوان هما: الربيع السابع والمؤامرة مستمرة، فردت فيروز بطريقة ساخرة في مقابلة مع الزميلة وردة الزامل على الأوهام الرحبانية قائلة: منصور هيك قال وانا مع منصور وهي نفس العبارة التي ذكرتها ريما في أحد منشوراتها الفايسبوكية الأخيرة والتي أقل ما يقال فيها أنّها أحق ما يقال في هذا الزمن الردئ.
ليس دفاعاً عن ريما الرحباني
ريما ووالدها عاصي الرحباني
تعالوا لنصل إلى ريما الرحباني. تعالوا نتحدث عن هذه السيدة التي تخوض اليوم إحدى أشرس معارك البشرية. لا تجمعني أي معرفة شخصية بها ولم أتواصل معها إلا نادراً عبر تعليقات على صفحتها الفايسبوكية في سنوات خلت.
من هي هذه السيدة؟ الصورة النمطية عند الناس هي الآتي: مزعجة، هيدي يللي حابسة فيروز بزنزانة، أسلوبها كتير فجّ، ما بتحب حدا، بدها تستفيد من أمها مادياً، ليش معصبة عطول...
يا أصدقائي تقول فيروز في ميس الريم: ما وقع ظلم على إنسان بآخر هالأرض الاً وحسيت انّو أنا يللي انظلمت. وأنا أشعر أنني مظلوم ايضاً، لأنني أستطيع لمس مدى الظلم التي تتعرض إليه هذه السيدة.
منذ حوالي العشر سنوات، خرجت ريما من عالمها الخاص حين اتخذت الحرب على فيروز وعاصي منحى دراماتيكي بدأ بقضية المرسوم الخبيث. يومها تفاجأ الناس، ماذا يجري؟ ماذا يحدث؟ أولاد منصور يكرهون فيروز؟ هل يعقل أنّ منصور حارب فيروز؟ عن ماذا تتكلم ريما؟ المشكلة القاتلة التي وقعت بها ريما وبيت الأستاذ عاصي بالمجمل هي الصمت:
آه من هذا الصمت الذي رافق هذا المنزل لمدة ثلاثين عاماً خاضت خلالها فيروز وريما أشرس المعارك. لم يتكلموا، صمتوا، ابتعدوا عن الإعلام، لم يظهروا في مقابلات، لم يبنوا شبكة علاقات إعلامية بدهاء كما فعل غيرهم.
تركوا الساحة للطرف الآخر الذي تفنّن بالاستغلال والتزوير وحرف الوقائع والإلغاء. وما حصل أنّه حينما قررت ريما التكلم بعد سنوات العذاب، كان من الصعب إقناع الجميع بصوابية موقفها نظراً إلى أنّ الطرف الآخر يتقن لُعْبَة الكذب. اللعبة هي كما يلي:
نحن نحتل الإعلام، نكيل المديح إلى فيروز: الله يطول عمر فيروز، فيروز قيمة كبيرة، نحنا منحب ريما، اسم عاصي سقط سهوا، نحنا منحب زياد، فيروز كبيرة العيلة. هذا في العلن أمّا في الخفاء فالحرب العالمية القذرة مستمرة. على المقلب الآخر ريما تهاجمنا فتصبح الصورة كالآتي: نحن الملائكة وريما الشيطان، نحن نريد المحبة وريما تريد التفريق. هل هناك أدهى من ذلك؟
يا أصدقائي، ريما تحارب باللحم الحي كما يقال بالعامية. ريما لم تسجن فيروز، فيروز اختارت الصمت منذ الأزل. ريما لم تحاول إستغلال فيروز مادياً، بل ضحّت بالمال للمحافظة على صورة فيروز، تخيلوا معي كم يمكن لمقابلة أو حفلة أو سي دي لفيروز أن يدرّ مالاّ، إذا أرادت ريما أن تتقن لُعْبَة المال، باستطاعتها جني ثروة أوناسيس في عام واحد.
ريما لم تحاول التصدر في الإعلام، أنظروا إلى مثال بسيط، خلال زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان مؤخراً، كان يمكن لها أن تتصدر المشهد وتستغل جنون الصِّحافة في هذه اللحظة. تخيلوا لو نزلت ريما للتكلم مع الصِّحافة، لكانت هي الحدث، لكانت تصدرت الصحف العالمية، ما حصل أنّها سارعت في التخفي على درج المنزل من أجل تجنب عدسات المصورين، وبصراحة هذا الموقف حتى أنا لم أفهمه، فالتواضع جميل ولكن ليس إلى هذه الدرجة.
ابنة صاحبة الحدث التي سارع ماكرون لمصافحتها تهرب من الإعلام وغيرها يتصدر الشاشات ليتحدث عن الزيارة، وكما تقول فيروز: ضاق خلقي يا صبي.
يا أصدقائي مشكلة ريما كانت الصمت وعدم الدخول في دهاليز اجتماعية وإعلامية قذرة. ريما ليس سجّاناً، ريما ليست هولو، ريما ليست فاتك. ريما بكل بساطة هي غربة. تلك الفتاة التي تحاول حماية اسم والديها وارثهما من خنجر فاتك الذي يريد القضاء على كل شيء. ذلك الخنجر الذي وصل حقده إلى درجة إطلاق إشاعة موت ليال بجرعة زائدة حينما كانت تصارع الموت في العناية الفائقة. ريما أرجوكي لا تصمتي بعد اليوم، آن الأوان لوضع حد لهذه العصابة التي عاثت خراباً في منزلكم وعائلتكم.
Comments