الراهب بترونيوس السرياني.. ورحلة خاطفة من التجرد وحتى السمو

09/29/2019 - 18:56 PM

Prestige Jewelry

 

بقلم إيرينى سعيد*

لقرون طويلة ومتعاقبة ميزت الرهبنة مصر، بل أبرزت وجهها المقدس حينما باركتها وأثمرت فيها، فمنذ العصور الأولى لم تنتشر الرهبنة في ربوعها وقط، بل صدرتها مصر ما بين الشرق والغرب، فكثر زاهدوها ونساكها، وقدمت لنا كنيستها القديسين ولابسى الإسكيم، ممن برهنوا على عمق المسيحية وصلابة إيمانها، وحتى عصرنا الحالي لم تتوقف ثمار الرهبنة وبركاتها، لم تجف ينابيعها وفيض مواهبها، ليظهر لنا زائر سريع، في رحلة خاطفة أراد توصيل رسالة بعينها، ومن ثم رحل عنا فى هدوء.

أبونا القديس بترونيوس السرياني والملفت ليس فقط فى خلفياته وسيرته العطرة، إنما أيضا فى معجزاته وشفاعته، وهو الذي أصبح مقصدا لكثيرين من المجربين وأصحاب الاحتياجات، اقترب من القديسين فصادقهم، وأحب العذراء فتكررت ظهوراتها له.

ترجع معرفنى بالقديس إلى الفترة ما بين 2015:2016، أي بعد نياحته بنحو أكثر من عام، فطبيعة عملي وخلفيتي الصحفية دائما ما تجعل من القراءة والبحث ضمن أهم أولويات يومى، وكان بديهى أن أعثر علي مقتطفات من حياته وصوره، للوهلة الأولى لم يستوقفني، وتوقعت شأنه شأن أى قديس، جميعهم سيرهم نقية، فالكنيسة ولاًدة والأديرة عامرة، ومنه مرً من أمامي مرور الكرام، ليعاود بعدها بأيام قليلة وكأنه أراد أن يطلعني على سيرته كاملة!.

لم أتردد، وتعمدت قراءة السيرة العطرة بالتفصيل، لأفاجئ بنشأته، خلفياته، عمق القداسة فى حياته، الكيفية التي انتقل بها  "نياحته "، سيل المعجزات التى صنعها، شفاعته القوية، والأهم الفارق الضئيل بين تاريخى ميلاده ونياحته، تصيبني الدهشة، وعلى الفور أتذكر " مكسيموس ودوماديوس " القديسين الروميين " وأبناء الملك، حينما تركا القصر وقصدا البرية من أجل الخلوة والتوحد، ليتشابه الراهب والقديس الشاب مع القديسين الروميين ، ولا عجب فهو الطبيب والباحث والأكاديمى، صاحب الخلفية الراقية والشاب الوسيم، وربما الذى خطا ناحية المستقبل بخطوات ثابتة، حينما عين بأرقى مستشفيات القاهرة، وإتجه للدراسة الأكاديمية  "درجة الماجستير" تجرد تاركاً كل هذا، ولم يسيطر عليه شيء سوى شهوته للقدير ورغبته الملحة فى لقائه .

لم يكن عام 2014 عاما عادياً على الإطلاق، يأتي الصيف وتحديداً منتصف شهر يوليو منه، ليُعلن انتهاء الأوجاع، فيستريح الجسد من أتعابه، تسمو الروح وتكلل رحلة أبونا بترونيوس الخاطفة والقصيرة بالمجد، وهنا تكتمل أيضا أوجه الشبه بين " بترونيوس " الراهب والقديس، و" مكسيموس ودوماديوس " القديسين الروميين، فجميعهم رحلوا في سن صغيرة، وبعد سنوات قليلة من الرهبنة والاعتكاف، تجد القدير يختطفهم فجأة، وكأنه فحص نقاوة القلوب وطهارتها فاكتفى بها، نظر إلى الأجساد الرقيقة والحساسة فتحنن عليها، فلا شك كان ينتظرهم الباب الضيق مع آلام الجهاد ومشقة الطريق، وإن هم رحبوا وأصروا لم يقبل هو فأشفق عليهم !.

أعترف بأنني كنت ومازلت من ضعاف النفوس، ولم أتذوق بركة سيرة أبونا العطرة، بقدر ما فتشت عن آلام الفراق وأوجاعه في القصة الكاملة، فمع الدهشة انتابني الحزن، بل فكرت في أمر أسرته، وربما التي تجرعت الغصص مع القديس أبونا بترونيوس مرتين، الأولى حينما تركها وقصد الدير، والثانية عندما قرر الرحيل دون عودة !، صراعات داخلية وأسئلة ملحة، تحتاج أجوبة دون أدنى شك! .

ما هذا يا سيد ؟!، أ هذه هى الرهبنة ؟!، أ يختارك الواحد فيتآلم الباقون؟! "سامحني يا رب" لم أطلق العنان لمخيلتى كثيرا بل استيقظت على الوصية " من أحب أبا أوأما أكثر مني فلا يستحقني " ( مت 10 : 37)، آمين " لتكن مشيئتك لا مشيئتي " ( لوقا 42:22) ! .

فضائل ومواهب عدة طالما تميز بها أبونا بترونيوس، لعل المعجزات التي صنعها عقب نياحته، وربما فى حياته كفيلة أن تكشف عنها، إنما تأتى الخدمة ومعها الاحتمال في مقدمة هذه الفضائل ، وعن البساطة والقداسة فقد ترسختا فيه، ومن فرطهما فى حياته أعلمه الله تاريخ نياحته ، فكان أبونا يعلم متى سيرحل !، حتى أنه تحرك من الدير إلى القاهرة من أجل رؤية أسرته، وفى هذا الصدد تحديداً، يروى شقيقه د. " مينا رشدي شفيق " طبيب الفم والأسنان عن أبونا أنه أتصل به من أجل انتظاره، وحتى يتمكن من وداع الأسرة، وبعدها بيومين شعر بالآم شديدة بالصدر، ليحمله شقيقه إلى المستشفى، وقبل وصوله تصعد روحه الطاهرة في هدوء وسلام، "القدير يعيننا كما أعانه"، ويحكي أحد آباء دير السريان أن أبونا بترونيوس صلى معه آخر قداس قبيل نياحته، وأكد له أنه القداس الأخير.

منذ أيام قليلة ولظروف ما مررت بها، قادتني خلالها الصدفة البحتة، وفيها عاود أبونا بترونيوس من جديد ليذكرنى بنفسه ثالثة، وكأنه هذه المرة يطالبني بالوزنة والتي وهبني إياها العلي، ألا وهى الكتابة، وللأمانة لم أتأخر، وقد كان!.

Image result for ‫القديس بترونيوس السرياني‬‎

أبونا بترونيوس في سطور ...

اسمه العلماني " ريمون رشدي شفيق "

مواليد القاهرة 1 يونيو 1981

حصل على الثانوية العامة 1999 بمجموع 97,5

درس الطب بجامعة عين شمس وتخرج بتقدير جيد جدا، تخصص في جراحة القلب

تمت رسامته راهبا بدير السريان العامر 28 يونيو2013. وتنيح بسلام 7 يوليو2014

للراهب بترونيوس السرياني معجزات عدة تتعلق معظمها بإعطاء نسل ونجاح الطلاب وأيضا شفاء المرضي، صدر عنه أكثر من كتاب، وجميعها تحوى معجزاته وصداقاته القوية مع القديسين، كما تنتشر بمختلف المكتبات.

*الكاتبة والصحفية المصرية وعضو نقابة الصحفيين المصريين

 

[email protected]

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment