التكنولوجيات و التقنيات الحديثة : هل تسهل من عملية الإندماج في صلب العولمة الرقمية؟

07/06/2019 - 11:38 AM

Nanour

 

 فؤاد الصباغ *

 

التطورات الرهيبة والغريبة التي شهدها عالمنا مؤخرا تعد في مجملها معجزة وثورة حقيقية في مجال تكنولوجيات المعلومات والإتصالات. إذ أصبح العالم الرقمي مساحة كبري تحتوي علي شتي المجالات الإلكترونية والإختصاصات التقنية. إذ يمكن اليوم التواصل عن بعد عبر تلك التقنيات والبرمجيات المتطورة جدا مع أكبر عدد ممكن من مستخدمي تلك الشبكة العنكبوتية.

إذ برزت مع هذه الثورة نمو ملحوظ وإنتشار واسع لظاهرة ما يسمي بالتجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني وأيضا ظهور ما يعرف بالعمل عن بعد منها بالأساس ظاهرة التدريس عن بعد عبر قاعات إفتراضية أو إدخال بيانات لبعض الشركات وغيرها من الأعمال عن بعد.

كذلك أصبح العمل عن بعد مجال أعمال يحظي بإهتمام دولي علي أعلي المستويات  بحيث من أبرز الشخصيات السياسية العالمية التي أصبحت تراهن علي تلك التقنيات الحديثة وتكنولوجيات العمل عن بعد والتسويق الإلكتروني والبيع المباشر نذكر منها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المرشح السابق للرئاسة الأمريكية بن كرزون والمسؤول السابق بالبيت الأبيض في عهد باراك أوباما إيمانيويل راهايم والعديد من الشخصيات العالمية مثل روبارت كيوزاكي وبيل غيس وغيرهم.

إن تطور تلك المنظومة المعلوماتية خاصة بالدول المتقدمة سمحت لعديد من الأشخاص بالإبداع في ذلك المجال الرقمي وساهمت في تطوير البرمجيات لتظهر بالنتيجة أعمال متطورة جدا منها التداول بالعملات الرقمية المعروفة "بالبيتكون" والبيع بالعمولة المعروفة "بالأفليت".

ففي هذا الصدد يمكن حاليا لأي شخص في العالم صاحب خبرة مهنية أوشهادة علمية أن يتحصل علي عمل عن بعد مقابل مبلغ مالي محترم وقار شهريا وذلك حسب مؤهلاته ومهاراته في مجال يمكن أن يبدع فيه وقادر علي إنجازه بمهارة عليا. كذلك يعتبر العالم الإفتراضي واسع ولا حدود له، إذ يمكن أن تجد فيه ما هو الجيد وكذلك ما هو السيئ. بالتالي يجب التأكد من المعلومة والتجربة السابقة لنوعية تلك الخدمات ومواقع العمل عن بعد بحيث تحقق للمستخدم النجاح المالي والإبداع المهني. فهنا يمكن طرح سؤال مهم عن تلك التقنيات والتكنولوجيات المتطورة جدا في مجال المعلومات والخدمات الرقمية وهوكيف يمكن الوصول إلي العميل المستهدف والخدمة المستهدفة عبر الإنترنت؟.

إذا لتحليل العالم الإفتراضي نلاحظ أنه لا حاجة حاليا لوسائل تقليدية لمعرفة أشياء خفية يستحيل معرفتها بالوسائل البدائية. إذ أصبح الهاتف والتلفاز الرقمي الذكي بوابة للنفاذ إلي العالم الخارجي والتواصل مع جميع المستخدمين من مختلف أنحاء العالم. إلا أنه في المقابل تحتوي تلك الوسائل علي سلبيات عديدة منها أنه يمكن إختراقها وقرصنتها بكل سهولة أوتحويلها إلي منصة للتنصت علي الجميع بحيث أصبحت حياتنا اليومية الحالية غير محمية بتاتا. كذلك يمكن معرفة كل شئ عن الحياة الشخصية لبعض الأفراد بواسطة تلك التكنولوجيات المتطورة جدا وهذا يعتبر في حد ذاته تهديدا للمعطيات الشخصية وحرمة الفرد.  

الجدير بالذكر في هذا السياق أن تلك الوسائل تحمل في جعبتها عوامل إيجابية عديدة مثل العمل عن بعد أوإنشاء مدونة أومحل تجاري أوموقع إلكتروني أوأيضا إستعمال وسائل التواصل الإجتماعي من أجل تعزيز العلاقات مع الشعوب الأجنبية وتنمية الزاد المعرفي بالإبداعات والإنفتاح علي الثقافات الأجنبية. ففي هذا المجال توجهت فرنسا خلال السنوات الأخيرة نحونقل تلك التكنولوجيات والتقنيات الحديثة إلي دول جنوب المتوسط بحيث كان السفير الفرنسي السابق فرنسوا قويت من أول الداعمين للتعاون الرقمي بين تونس وفرنسا. بالتالي ساهمت تلك التكنولوجيات في تقليص الفجوة الرقمية بين دول الشمال والجنوب للبحر الأبيض المتوسط منها بالأساس بدول المغرب العربي الكبير.

إن تلك التكنولوجيات الحديثة أصبحت اليوم تحظي بإهتمام كبير لدي مختلف الفئات العمرية والمستثمرين في المجال الرقمي أو مستخدمي شبكة الإنترنت بصفة عامة. كما أن التوجه الفرنسي مؤخرا نحو تعزيز مكانة العولمة الرقمية ساهم في تحفيز مناخ الإستثمار لدي العديد من الدول الشريكة والحليفة عبر خلق العديد من الشركات التكنولوجية والمشاريع الرقمية علي غرار المدارس الرقمية والمعاهد والجامعات الإفتراضية والإستفادة بشكل كبير من تلك الثورة الرقمية.

كما أصبحت بعض الدول العربية تعتمد بشكل كبير علي الوثائق الإلكترونية في إداراتها العمومية من بينها الفيزا الإلكترونية وإستخلاص فواتير الكهرباء والماء والغاز والهاتف عن بعد أوحتي إستخراج وثائق رسمية مثل مضمون ولادة أوشهادة وفاة أوسجل تجاري وغيرها.

فرنسا ودول العالم المتقدم أصبحت تولي لذلك المجال الصاعد والواعد إهتماما بالغ الأهمية لإنه أضحي اليوم يؤسس إلي فضاء رقمي عالمي يسهل من عملية الإندماج في صلب منظومة العولمة الرقمية. بالتالي يوفر ذلك الفضاء مناخ إستثماري رحب في مجال تكنولوجيات الإتصال والخدمات الرقمية وأصبح يسهل من عملية إنشاء العديد من المؤسسات التي تنشط في ذلك المجال الرقمي الشاسع نذكر منها خاصة شركات التجارة الإلكترونية أو بعض الوكالات لإنشاء محلات تجارية ومواقع إلكترونية ومدونات.

بالإضافة إلي ذلك تزايد ظاهرة بيع التذاكر الإلكترونية للرحالات الجوية والبرية والحفلات والسهرات والمباريات الرياضية عبر الإنترنت وذلك قصد تجنب الطوابير الطويلة وتسهيل الخدمات عن بعد. بالإضافة إلي ذلك نلاحظ العديد من المجالات المهنية العلمية المتوفرة علي شبكة الإنترنت نذكر أهمها التدريس عن بعد والتي تشهد نسق تصاعدي عالميا وخدمات للترجمة وللتحرير عن بعد وخاصة منها مراكز النداء والتسويق الإلكتروني عن بعد.

أما بخصوص مصداقية وشفافية تلك المواقع من أجل إستخلاص الرواتب الشهرية فيجب التأكد أولا من التجارب السابقة لتلك المواقع قبل الإنطلاق في أي خدمة أو عمل عن بعد لأنه هناك بعض المواقع المحتالة والمعروفة "بالسكام" يعني لا يقع دفع أجر خدماتك أو عملك. إن عالمنا اليوم أصبح يتجه بنسق متزايد ومتصاعد نحو العولمة الرقمية وإستغلال تلك التكنولوجيات والتقنيات في جميع الإدارات والمرافق العامة والخاصة، كما تحولت بالنتيجة بعض الإدارات العمومية إلي إدارات إلكترونية توفر الوثائق الإدارية والرسمية إلكترونيا عن بعد إلي كافة المواطنين.

أما بخصوص بعض السفارات والبعثات القنصلية في أغلب الدول العالمية فقد خصصت هي أيضا في مجملها خدمات إلكترونية توفر المعلومات عن بعد وذلك عبر طرح الأسئلة المباشرة من قبل المواطنين والحصول في المقابل علي الأجوبة الفورية اللازمة في ذلك الغرض.

 

* باحث اقتصادي دولي

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment