العالم السيبراني: إبتكارات علمية أم حرب قرصنة؟

05/07/2019 - 13:54 PM

Fadia Beauty Salon

 

فؤاد الصباغ*

العالم يشهد اليوم طفرة نوعية من المتغيرات الصاعدة والواعدة علي مستوي تكنولوجيات المعلومات والإتصالات الرقمية. إذ لا مجال في عالمنا هذا لرسم الحدود بين الدول بحيث أصبح الجميع في عالم معولم إلكترونيا مندمج في شبكة إتصالات تشمل الجميع من خلال التواصل المباشر مع الجميع في ثواني معدودة وكأنهم في غرفة صغيرة واحدة. فمع بداية التسعينات بدأت ملامح أولي هذه العمليات الإتصالاتية الرقمية وذلك بإستغلال الإنترنت كشبكة معلوماتية عالمية إلي أن بلغت هذه التقنيات ذروة إبداعاتها وإبتكاراتها العلمية لتخلق لنفسها عالم جديد شبيه بفضاء خيالي.

 إن هذه التطورات في الإقتصاد الرقمي أصبحت تشمل مؤخرا العديد من المجالات العلمية والقطاعات الحيوية في الإقتصاديات الوطنية لدول العالم لتشكل بذلك العمود الفقري للإقتصاد العصري. فهذه المتغيرات سمحت للعلماء والباحثين بتطوير أساليب عملهم ومعاملاتهم اليومية بحيث شمل العالم الإفتراضي قطاع الصحة فأحدث بالنتيجة آخر صيحة وهي العمليات الجراحية الإلكترونية عن بعد والتي تدار في قاعات جراحة تضم أطباء من مختلف دول العالم وذلك عبر إتصالات بالأقمار الصناعية وبشبكة الإنترنت.

أما قطاع التعليم فهو يعد من أبرز القطاعات الحيوية التي إستفادت بشكل كبير من العالم السيبراني خاصة في مجال البحوث العلمية وتطوير نمط التدريس عبر إستعمال القاعات الإفتراضية عن بعد.

بالإضافة لذلك إستعمال الشبكات الإلكترونية التي تضم جميع القواعد العلمية والمكتبات الرقمية. أما قطاع التجارة فهو أيضا كان من أكبر المستفيدين من تطور التقنيات المعلوماتية الحديثة بحيث تحولت المبادلات التجارية في العالم من التجارة التقليدية إلي التجارة الإلكترونية. فأبرز دليل علي ذلك هو بروز العديد من مواقع البيع بالجملة ولعل أشهرها موقع علي بابا الصيني وموقع أمازون الأمريكي بحيث أصبح المستورد اليوم ليس في حاجة للسفر قصد شراء أو جلب منتجات بطريقة معقدة.

إذ أصبحت عمليات المبادلات التجارية العصرية تدار مباشرة عبر الإنترنت وبإتصالات عن بعد من أجل الشراء بالجملة والإستخلاص والشحن. كذلك مجال التسويق الإلكتروني أصبح يستغل الإنترنت كمنصات للإعلانات الإشهارية للترويج وعرض المنتجات قصد جلب أقصي عدد ممكن من الحرفاء المستهدفين. كما كانت أيضا لوسائل التواصل الإجتماعي أهمية كبري في التسويق والترويج نظرا لتزايد عدد المستخدمين لهذه المنصات الإفتراضية والتي أصبحت تضم الملايين من المتصفحين يوميا من مختلف دول العالم.

أما علي الصعيد السياسي فقد ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي والتقنيات المعلوماتية الحديثة علي بعض المنصات الإلكترونية مثل الفيديوهات والفيسبوك والتويتر في الإطاحة بأغلب رؤساء الدول العربية في فترة ما يسمي بالربيع العربي. بالإضافة إلي ذلك مثلت القاعدة الأساسية لإدارة الحركات الإحتجاجية في معظم الدول العالمية علي غرار الحراك الجزائري والسوداني وإحتجاجات أصحاب السترات الصفراء.

أما الأخطر في هذا السياق هوإستغلال هذه البرمجيات التكنولوجية والمعلومات الإتصالية في أساليب القرصنة والهاكرز والتي تعد في مجملها عمليات إجرامية إلكترونية. فملامح هذه الحرب الملعونة من قبل قراصنة إلكترونيين من الدول المتقدمة بحيث إنطلقت أول هذه العمليات عبر قرصنة الإنتخابات الأمريكية من قبل الهاكرز الروسي تحت إشراف ومباركة الهاكرز بوتين الذي قام بدوره السلبي عبر تزوير الإنتخابات الأمريكية وإختراق آلات الفرز الإلكتروني لأصوات الناخبين.

كذلك شملت هذه الحرب العديد من الصحافيين العالميين والإعلاميين المشهورين ورجال الأعمال الأمريكيين ولعل أبرزهم الإعلامي بقناة الجزيرة القطرية وصاحب برنامج الإتجاه المعاكس الدكتور فيصل القاسم وأيضا رجل الأعمال الأمريكي جيف بيزوس صاحب سوق أمازون للتجارة الإلكترونية والرئيس المدير العالم لجريدة واشنطن بوست الأمريكية.

فتحولت بالنتيجة تلك العناصر المتكونة من أفراد من وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية السي.أي.إي وبعض الأفراد من الوكالات الإستخباراتية العبرية والعربية المشبوهة في المنطقة والتي تمتلك أخطر برامج التجسس نذكر منها برنامج "كارما" الإسرائيلي إلي أكبر قاعدة تجسس إلكترونية متواجدة بأبوظبي والرياض. إن تكنولوجيات المعلومات والإتصال لم تعد في مجملها نعمة بل تحولت إلي نقمة نظرا لإنتهاكها للمعطيات الشخصية للأفراد والتنصت عليهم في بيوتهم. فعلي سبيل المثال ماذا يملك د. فيصل القاسم غير القلم والقرطاس واللسان الحر ليعبر عن رأي يطرحه للنقاش مع ضيوفه في برنامجه الإتجاه المعاكس,

فهل هذه العناصر تريد من القلم الحر أن يكون "ذيل كاتب كلب" وطرطور وبوق دعاية فقط يروج لأفكارهم ولسياساتهم. فهذه العناصر حولت الدكتور فيصل إلي مجرم إعلامي عالمي مراقب ليلا ونهارا من قبل الإستخبارات الإماراتية والسعودية وتحت إشراف تقني أمريكي وإسرائيلي بحيث أحترق هاتفه الجوال وبريده الإلكتروني ونكلت بحرمة حياته الشخصية وأصبح مؤخرا محل متابعة ولربما لا قدر الله تصفية جسدية.

فهل هذا الإعلامي الحر يشكل خطرا قوميا وإقليميا علي هذه الدول العرجاء والجوفاء التي تعاني من الخوف والرعب من أي صوت وقلم حر لأن وكرها فارغ ويحتوي فقط علي قمع الحريات والدكتاتورية الفكرية.

كذلك الصحافي الأمريكي جيف بيزوس تحول هو أيضا بدوره إلي أخطر مجرم في العالم نظرا لتلك الأشباح التي تلاحق تلك العناصر بسبب تورطها في قتل الصحافي بجريدة واشنطن بوست المرحوم جمال خاشقجي. عموما عالمنا هذا أصبح فيه الهاتف الجوال وجهاز الحاسوب والتلفاز الذكي نقمة في بيوت الإعلاميين والصحافيين التي تحولت كلها إلي أداة ووسائل مراقبة وتنصت حتي في غرفة نومهم بحيث تنتهك أبسط حقوقهم وحرمتهم الفردية وهم لا يملكون إلا الفكر والرأي الحر وقلم الحبر.

 

* باحث اقتصادي دولي

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment