تأثيرات تكنولوجيات الإتصال والمعلومات علي المجتمعات العربية

04/29/2019 - 11:50 AM

San Diego

 

فؤاد الصباغ*

مما لا شك فيه تعد تكنولوجيات الإتصال الحديثة والمعلومات الرقمية مؤخرا جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. إذ تحولت وسائل التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر لدي أكبر شريحة من أفراد المجتمعات العربية إلي ساحة واسعة لتبادل الآراء والمعلومات.

إذ أضحت هذه الوسائل كالملح الذي لا يغيب عن الطعام حتي عند أولئك الأشخاص التي تعتقد أن القلم والقرطاس فوق الجميع ولا بديل لهما مهما كانت الظروف. بالتالي أصبح الجميع منشغل بتلك التقنيات الحديثة ومتابع للأخبار الإلكترونية والإبتكارات التكنولوجية مع البحث والتدقيق في أبسط جزئيات تلك التكنولوجيات. إن عالمنا الحالي يشهد طفرة نوعية من المتغيرات الصاعدة والواعدة علي مستوي هذه تكنولوجيات المعلوماتية والإتصالاتية الرقمية.

إذ لا مجال اليوم لرسم الحدود بين الدول بحيث تحول عالمنا إلي مجرد قرية رقمية وعلبة إلكترونية تربطها شبكة رقمية إتصالاتية تشمل الجميع من شركات وأفراد ومؤسسات حكومية عبر أجهزة الكومبيوتر والبرمجيات وغيرها من وسائل التواصل المباشر وذلك في بضع ثواني معدودة وكأن الجميع في غرفة واحدة.

فعلي الرغم من الإيجابيات التي توفرها تلك التكنولوجيات الحديثة مثل إستغلالها للعمل المباشر وتقليص الزمن وتقريب المسافات وإنشاء برمجيات عمل وإبداع من تطوير وبرمجة، إلا أنها في المقابل كانت سلبياتها كارثية وأضرت بمصالح العديد من الأشخاص ولعل من أبرزها تلك الثورات الإجتماعية التي أطاحت بأغلب رؤساء العالم شراسة ودكتاتورية. وأيضا إنتهاكاتها للمعطيات الشخصية وتأثيراتها السلبية عبر القرصنة للإنتخابات الرئاسية أو غيرها من مواقع الشركات والجامعات.

تأثيرات إيجابية

 إن هذه التطورات في الإقتصاد الرقمي أصبحت تشمل مؤخرا العديد من المجالات والقطاعات الحيوية في الإقتصاديات الوطنية للدول العربية لتكون بذلك العمود الفقري للإقتصاد العصري. فهذه المتغيرات سمحت للعلماء والباحثين بتطوير أساليب عملهم ومعاملاتهم اليومية بحيث شمل العالم الإفتراضي قطاع الصحة فأحدث بالنتيجة آخر صيحة وهي العمليات الجراحية الإلكترونية التي تدار في قاعات عمليات تضم أطباء من مختلف دول العالم وذلك عبر إتصالات بالأقمار الصناعية وبشبكة الإنترنت العنكبوتية. أما قطاع التعليم فهويعد من أبرز القطاعات التي إستفادت بشكل كبير من العالم الإفتراضي خاصة في مجال البحوث العلمية وتطوير نمط التدريس عبر إستعمال القاعات الإفتراضية عن بعد.

بالتالي برزت ظاهرة التعليم الإلكتروني في أغلب الدول العربية وخاصة منها الدول الخليجية وذلك عبر تنامي ظاهرة الإستثمار في المدارس الرقمية والجامعات الإفتراضية وحتي منها إنشاء برمجيات لقاعات إلكترونية تسمي بالتدريس عن بعد من المنزل تضم إستاذ إلكتروني ومجموعة طلاب من مختلف دول العالم تتلقي دروس دعم وتكوين تأطيري وعلمي. بالإضافة لذلك أصبحت أغلب الجامعات العالمية مستفيدة من قاعدة البيانات الإلكترونية عبر الشبكات الرقمية المعلوماتية التي تضم جميع القواعد العلمية والمكتبات الرقمية العالمية.

بالتالي أختزل الزمن والمجهود في البحث وأصبح الفرد يتمتع بسهولة الوصول إلي المعلومة بسرعة فائقة ليتم بعد ذلك تحليلها ومناقشتها وتشكيل رأي خاص بكل فرد وزاد معرفي وإبداعي تأطيري أوتحويل المادة العلمية إلى مادة تدريس دسمة عبر الأعمال التطبيقية المباشرة. ساهمت تكنولوجيات الإتصال والمعلومات الحالية في الأوطان العربية إيجابيا وذلك عبر رفع نسق وجودة البحث العلمي والزاد المعرفي لتخلق من الموارد البشرية العربية إطارات فاعلة في مجتمعاتها وناجعة في إبداعاتها. أما قطاع التجارة والأعمال فهو أيضا كان من أكبر المستفيدين من التقنيات المعلوماتية الحديثة بحيث تحولت المبادلات التجارية في العالم العربي من التجارة التقليدية إلى التجارة الإلكترونية.

فأبرز دليل علي ذلك يتمثل في الإقبال المتزايد علي مواقع البيع بالجملة ولعل من أشهرها موقع علي بابا الصيني بحيث أصبح المستورد اليوم ليس في حاجة للسفر قصد جلب منتجات بطريقة معقدة ومكلفة. كما أصبحت الإنترنت تشكل له وسيلة عمل مبسطة وتسهل له العمليات التجارية عن بعد. أيضا نذكر موقع البيع الإلكتروني العملاق الأمازون الأمريكي الذي يحظي بشعبية عالمية كبيرة ورهيبة.

أما بالدول العربية فكانت تأثيرات تلك التكنولوجيات علي مستوي التجارة الإلكترونية واضحة بشكل كبير بحيث برز موقع سوق الإلكتروني وأيضا العديد من المتاجر الإلكترونية كالبيع بالتجزئة أو البيع بالجملة. في المقابل زادت ظاهرة البيع والشراء عبر الإنترنت في المجتمعات العربية وكانت لها تأثيرات إيجابية مباشرة بحيث أصبح المواطن العربي مستغني تماما عن السفر للتسوق من أجل شراء منتجات ماركة عالمية أوملابس وعطورات وغيرها من المنتجات الإلكترونية وذلك بمجرد الضغط علي الزر من هاتفه الجوال ودفعه للمعاليم عن بعد عبر الباي بال.

عموما أصبحت أغلب عمليات المبادلات التجارية العصرية والفردية تدار مباشرة عبر الإنترنت وبإتصالات عن بعد من أجل الشراء بالجملة والإستخلاص ثم الشحن. كذلك أصبح مجال التسويق الإلكتروني يستغل الإنترنت كمنصات للإعلانات الإشهارية الإلكترونية علي وسائل التواصل الإجتماعي أو علي البريد الإلكتروني من أجل الترويج للمنتجات والماركات العالمية لجلب أكبر عدد ممكن من الحرفاء المستهدفين. بالنتيجة كانت لوسائل التواصل الإجتماعي أهمية كبري في مجال التسويق والترويج نظرا لتزايد عدد المستخدمين لهذه المنصات الإفتراضية والتي أصبحت تضم الملايين من المتصفحين يوميا من مختلف دول العالم.

تأثيرات سلبية

إن التأثيرات السلبية لتكنولوجيات الإتصال والمعلومات تتلخص بالأساس في تلك الأساليب الملعونة التي كانت مدمرة علي شتي المقاييس لأغلب المكاسب الوطنية العربية. ففي كل مجتمع عربي نجد الصالح والطالح لكن سوء إستعمال تلك الوسائل أدي بالنتيجة إلي وصول أغلب دولنا العربية للحضيض بحيث تحولت كحبوب للهلوسة ومخدرات إلكترونية تحريضية. كما كانت لتلك الوسائل تأثيرات سلبية وعميقة في نفوس أغلب المجتمعات العربية مما زادت من نسبة إنتهاك حرمة الفرد وكرامته ومعطياته الشخصية وساهمت بالإساءة للعديد من الأشخاص ذات القيمة الفعالة في أوطانها.

إن الإستغلال السيئ لتكنولوجيات الإتصال والمعلومات تسبب في كوارث جسيمة بأغلب الدول العربية ماديا ومعنويا منها التحريض علي التمرد الشعبي والعصيان المدني أو القتل والتشهير بالأشخاص. فعلى الرغم من إيجابيات وسائل التواصل الإجتماعي في التعارف والدردشة وتبادل الآراء والمعلومات المفيدة، إلا أن سلبياتها كانت الأدهي والأمر خاصة منها عمليات التنصت والتحريض والتشهير وغيرها من الأعمال العدائية التي أدت بالنتيجة إلي اللجوء للمحاكم العدلية لفض النزاعات خاصة علي مستوي علاقات الأشخاص المهمين منهم المشاهير كالفنانين والسياسيين ونجوم كرة قدم.

أما بالنسبة لبقية المواطنين العاديين بالدول العربية شكلت لهم وسائل التواصل الإجتماعي داخل الأسرة نقمة حقيقية بحيث زادت نسبة الطلاق وذلك لمجرد شكوك أو عدم الإهتمام بشؤون المنزل وتفضيل تلك الوسائل في الدردشة علي العلاقة الزوجية. كذلك كانت لتلك التكنولوجيات الحديثة والخبيثة أثر مدمر وصل إلي أعلي هرم السلطة التنفيذية بأكبر دولة بالعالم بحيث برز مؤخرا تحقيق عدلي بخصوص قرصنة الإنتخابات الأمريكية الأخيرة من قبل جهات روسية.

فكان ظهور المحقق مولر علي شاشة التلفاز يذكرنا بتلك البرامج الطفولية للمحقق كونان وكأنما تلك الوسائل التكنولوجية أصبحت ضربا من الخيال والمزاح عبر إتهام الرئيس الروسي بوتين بتزوير الإنتخابات الرئاسية الأمريكية وقرصنة آلات الفرز الإلكتروني. أيضا قامت وكالات الأمن السيبراني العالمية بوضع دولة روسيا علي قائمة أخطر الدول في البرمجة والنصب والإحتيال وقرصنة المواقع الإلكترونية علي شبكة الإنترنت. ففي إطار تنامي هذه الظاهرة الخطيرة في الدول العظمي يمكن أن تتحول تأثيرات عدواها السلبية إلي بعض الدول العربية والتي تحولها بالنتيجة إلي مجال إستلهام من قبل بعض النفوس الشريرة للنسج علي منوالها.

كذلك تضررت شبكة قنوات بين سبورت القطرية من القرصنة بشكل غريب ورهيب بحيث أصبح المستهلك العربي خاصة في دول شمال إفريقيا لا يبالي عبر إستعمال منظومة الإي. بي. تي. في. ويقبل علي شرائها من محلات تجارية مرخص لها من قبل الدولة والتي تبيعها علي قارعة الطريق وللعلن أو بشراء أجهزة البي. أوت. كيو. المشبوهة والتي أضرت بمجال الإعلام الرياضي بشكل كبير.

أما علي الصعيد السياسي بدول ما يسمي بالربيع العربي فقد ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي والتقنيات المعلوماتية الحديثة علي بعض المنصات الإلكترونية مثل الفيديوهات والفيسبوك والتويتر في الإطاحة بأغلب رؤساء الدول العربية خلال العشرية الأخيرة.

بالإضافة إلي ذلك مثلت القاعدة الأساسية لإدارة الحركات الإحتجاجية في معظم الدول العربية. بالتالي كانت عملية التخلص من الأنظمة السابقة مكسبا وطنيا لكن نتائجها كانت تخريبية علي جميع الأصعدة إقتصاديا، سياسيا وإجتماعيا بأغلب الدول العربية نذكر منها الثورة السورية التي تحولت إلي دمار وخراب بأغلب مدنها وأصبحت كمدن أرواح وأشباح منها حلب وحمص وأدلب كما هجرت أو قتلت أغلب سكانها.

أما في اليمن فالصراع السياسي علي السلطة تحول إلي حرب أهلية وإقليمية تسبب في أزمة إنسانية لا مثيل لها عالميا بحيث حولتها إلي مجاعة صومال جديدة. أما في ليبيا كانت عمليات النهب والتخريب للمنشآت النفطية هي الطاغية والمدمرة للمكاسب الوطنية. أصبحت بالنتيجة أغلب الدول العربية تعاني الأمرين خاصة مع بروز ظاهرة الإرهاب الدولي بحيث أصبحت تنزف دماءً ودموعا.

عموما تعتبر تكنولوجيات الإتصال والمعلومات مفيدة عبر نتائجها الإيجابية لتخلق عالم جديد ومتطور يعتمد علي الإبتكار والإبداع ويساهم في تطوير الموارد البشرية العربية. أما نتائجها السلبية فكانت تأثيراتها مدمرة للمكاسب الوطنية ومنتهكة لحقوق الشركات والأفراد وأيضا لسيادة الدول.

 

*باحث اقتصادي دولي

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment