حلول عظمة المسيح وغياب نخوة بطرس

04/13/2019 - 10:09 AM

Prestige Jewelry

 

 

عادل صوما

 

     ركع البابا فرنسيس الأول بعد خلوة روحية غير مسبوقة في الفاتيكان مع متعهدي الحروب الأهلية في دولة جنوبي السودان، وقبّل أحذيتهم ليدفعهم نحو عدم العودة الى حروبهم الأهلية. وحث البابا رئيس جنوبي السودان سلفا كير ونائبه السابق، الذي تحول إلى زعيم للمتمردين، ريك مشار وثلاثة نواب آخرين للرئيس على احترام الهدنة والالتزام بتشكيل حكومة وحدة الشهر المقبل.

     هذه اللفتة بالغة الإنسانية اقتبسها البابا من المسيح الذي غسل أقدام تلاميذه وقبّلها قبل محاكمته وصلبه، ويبدو أن الحبر الأعظم أراد تذكير متعهدي حروب دولة جنوبي السودان بإنسانية جوهر المسيحية، لكن لم يوجد بين هؤلاء الرجال والمرأة التي كانت بينهم من مثّل نخوة بطرس الذي رفض أن يغسل المسيح قدميه ويقبلهما، ثم وافق على مضض عندما طلب المسيح منه أن يتركه يتمم (الدرس الأخلاقي) ما يفعله.

      وقف متعهدو الحروب كالتماثيل أمام البابا البالغ من العمر 82 عاما، ويعاني من ألم مُزمن في الساق، وكان يعاونه مساعده وهو يركع بصعوبة لتقبيل أحذيتهم. وقفوا كالتماثيل ولم يساعدوا البابا حتى في الوقوف بعد ركوعه، لأن روح التشفي والانتصارات الرخيصة والبلطجة تسيطر على قلوبهم، وانا شخصياً لا أصدق أن المتورطين في صراع قذر على السلطة وأصحاب الثروات من خلق الحروب وادارتها، الذين حثوا مقاتليهم على الاغتصابات الجماعية وقتل مدنيين واتلاف محاصيل وحرق مزارع وممارسة العنف المأساوي ضد أطفال ونساء وحوامل، الذين  داسوا بنود القانون الدولي بأحذيتهم وتسببوا في انهيار الجنيه السوداني وخراب اقتصاد دولة فتية تملك مؤهلات النجاح، يمكن أن تتحرك قلوبهم المتصخرة امام ما مثّله البابا من وحي عظمة إنسانية المسيح.

     متعهدو الحروب أولئك لا يبالون بتزايد القلق في دولة جنوبي السودان من احتمال تسبب الانقلاب الذي وقع في السودان الشمالي في تقويض اتفاق السلام الهش الذي أنهى الحرب الأهلية الوحشية التي استمرت لخمس سنوات في السودان الجنوبي، والأرجح انهم حضروا مضطرين إلى التجمع الذي دعا الفاتيكان إليه على مدى أربع وعشرين ساعة من الصلاة والوعظ في مقر إقامة البابا لرأب الانقسامات المريرة قبل التشكيل المقرر لحكومة وحدة.

      قال البابا لمتعهدي الحروب أولئك: "ستكون هناك صراعات وخلافات في ما بينكم ولكن احتفظوا بها بينكم داخل المكتب إذا جاز التعبير، لكن أمام الناس ضعوا أيديكم في أيدي بعض لتأكيد الوحدة. لذا، كمواطنين بسطاء، ستصبحون آباء للأمة".

     لا افتئات أو تجنٍ على متعدي حروب دولة جنوبي السودان أولئك، فقد خاض السودان صراعا استمر عقودا مع الجنوب قبل أن ينال جنوبي السودان استقلاله عام 2011 بتصويت بلغت نسبته98%،  لكن بعد سنتين اندلعت حرب أهلية في دولة جنوبي السودان عندما أقال كير وهو من قبيلة الدينكا مشار وهو من جماعة النوير العرقية من منصب نائب الرئيس، ما أدى إلى الحرب الأهلية الجنوبية السودانية بين القوات الحكومية وقوى المعارضة، وهي في عمقها عداوات أهلية قبلية وتنافس على الحكم تحولوا إلى كابوس فجّره وفاة جون قارنق، لأنه كان الوحيد بين هذه الدُمى الذي يمكنه وضع حلول للمشاكل ويفرض رؤى لمستقبل دولة حاربت وتحدت شمالي السودان الطامع بثروات الجنوب الذي همّش أهله ولم ينصفهم في الوظائف بعد السودنة وخروج البريطانيين، وظل هذا الصراع يتأرجح ما بين طلب الانفصال مرة والكونفدرالية مرة أخرى، حتى ظهور حقبة جعفر النميري ومَن بعده الذين طالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية، فكان التصويت الذي رجّح انفصال الجزء الذي خشى من تطبيق الشريعة وصعود التشدد. 

      حصل جنوبي السودان على حقه في الانفصال مما يخشاه من تطبيق شريعة صحراوية لم تعد تناسب العصر، لكنه وقع ضحية شريعة مصانع الأسلحة ومتعهدي الحروب التي تناسب كل العصور، فقُتل مليونا شخص وشُرد أربعة ملايين مواطن وأصبح أربع مائة وعشرين ألف لاجئ في البلدان المجاورة، ناهيك عن خطر الموت جوعاً، ومشاهد الطيور الكاسرة والحيوانات المفترسة التي تأكل القتلى الذين لا يجدون حتى من يقبرهم في مطامر جماعية.

     رفع المسيح صانعي السلام إلى مقام أبناء الله، فهل يُمكن أن يحوّل البابا متعهدي حروب إلى صانعي سلام بعد تقبيل أحذيتهم؟ هل يمكن أن يذّكرهم هذا العمل بسمو مسيحهم (الذي حاربوا من أجل تعاليمه)؟ هل يمكن أن يحرك عمل البابا دُمى تحركها أصابع أصحاب مصانع السلاح؟

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment