زيارة ظريف للبنان تحمل رسائل واضحة للغرب وعروضات الدعم الإيراني غير قابلة للصرف

02/12/2019 - 16:29 PM

Fadia Beauty Salon

 

خاص بيروت تايمز بقلم ميشلين أبي سلوم*

 

من المجازفة بأن يقبل أي مسؤول لبناني مهما كان موقعه أو تأثيره بهذه المساعدات، لأن هذا يعني بالنهاية عزل لبنان عن العالم ومحاصرته...

تتزامن زيارة وزير الخارجية الايراني محمّد جواد ظريف إلى لبنان هذه المرة مع عدّة وقائع واحداث، أبرزها مناسبة ذكرى ثورة الخميني ضد نظام الشاه، وتأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. وتسارع وتيرة زيارات السفراء وممثلي الدول العربية الأجنبية للتهنئة بولادة الحكومة الجديدة.

أولاً، لم يعبّر وصول الوزير محمد جواد ظريف إلى مطار بيروت دون إبلاغ وزير الخارجية اللبناني، عن تقييدات أمنيّة استوجبتها الزيارة، بل عن أريحيّة أراد الوزير المبتسم دائماً التعبير عنها،  في عاصمة أُعلن سقوطها من بين أربع عواصم عربية في يد طهران، فلا قيمة ولا ضرورة للشكليات والمظاهر البروتوكولية، التي عادةً ما تتبادلها دولتين ذات سيادة. لقد أشار الاهتمام الرسمي اللبناني بالزائر الإيراني، والحفاوة التي لاقته في القصر الجمهوري وفي وزارة الخارجية والتي عبَرت عنها المؤتمرات الصحفية، إلى الشراكة الثابتة والواعدة التي ضمنت الإنتخابات الرئاسية والمستمرة بعدها.

يدرك الزائر الإيراني أنّ المساعدات العسكرية التي يعرضها هي غير ذات جدوى ولا يمكن قبولها. فمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية لم تستطع حماية المواقع الإيرانية في دمشق من الهجمات الأسبوعية للعدو الإسرائيلي، ويستحيل قبولها لأن لبنان ملتزم برنامج المساعدات الأميركية. لكنه تصرّف كممّثل لدولة صاحبة نفوذ وراعيّة يقوم بزيارةٍ لدولةٍ نامية، فوضع إيران في مصاف الولايات المتّحدة وغيرها من الدول المانحة. أغدق العروض بسخاء، فلاقاه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بالتشديد على أنّ الإستفادة من العروض الإيرانية تتم دون وجود أي ضغوط ووفقاً لمصالح البلدين. 

بدوره، وزير الخارجية قدم لنظيره وغب الطلب قراراً بعدم مشاركة لبنان في مؤتمر وارسو. لا شك بأنّ عدم  المشاركة هو قرار مبدئي يجمع عليه اللبنانيون لأنّ إسرائيل تشارك في المؤتمر. أما الحجة التي  أوردها الوزير بأنّ لبنان لا يشارك بسبب التزامه سياسة النأي بالنفس، بحضور وزير تتدخل دولته في أكثر من دولة ويقوم وزير خارجيتها بزيارة حزب سياسي تقوم بتسليحه، فبدت غير قابلة للهضم وفيها كثير من الإستخفاف بعقول اللبنانيين. هذا إذا تجاوزنا موضوع الأعراف الحكومية التي تستوجب صدور هذا القرار عن مجلس الوزراء وليس عن وزير الخارجية.

ضياع البوصلة السياسية والتشتت في القرار اللبناني كان واضحاً في الملفات التي أثيرت بالمفرق من هنا وهناك.

ثانيا، من ضمن هذه الوقائع تُفهم غايات هذه الزيارة ولو كانت غير معلنة، بل إن فحوى المواقف المعلنة خلالها تؤشر بوضوح إلى أن الغرض الأساس منها التأكيد للولايات المتحدة بإستمرار النفوذ الإيراني في لبنان، بالرغم من كل العقوبات المالية الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية والحرب العسكرية الإسرائيلية ضدها في سوريا أو على حلفائها كحزب الله بالداخل اللبناني ومحاولة الالتفاف على الحكومة اللبنانية الجديدة وإعطاء أكثر من إشارة لأكثر من طرف بمساحة النفوذ الإيراني بداخلها هذه المرة قياساً على السابق وأخيراً محاولة منافسة النفوذ العربي المتجدد بلبنان والالتفاف عليه وحتى إمكانية قطع الطريق امام كل محاولات إعادة تعويم العلاقات اللبنانية العربية التي تأثرت في السنوات الماضية بين العديد من الدول العربية ولبنان بفعل التجاذبات السياسية التي حصلت جرّاء استعداء حلفاء إيران للدول العربية، وفي مقدمتهم الدول الخليجية على وجه الخصوص.

ثالثا، لا شك ان هذه الزيارة سجلت حضوراً ايرانياً سياسياً في لبنان، وقد يكون الهدف منه استباق وصول أي مسؤول عربي أو دولي على مستويات رفيعة لتهنئة الحكومة الجديدة وابداء الدعم لها، الا ان هذا الحضور على هذا المستوى، وإن يدل على استمرار محاولات إبداء الهيمنة الإيرانية على لبنان من هذا المنظور، واظهار مواقف الدعم والاستعداد للتعاون العسكري والتقني وتطوير التبادل التجاري وتوسيع حلقة التعاون الاقتصادي وغيره، يبقى محصوراً وبحدود معينة وليست واسعة النطاق كما يسعى البعض لترويج صورة مغايرة، كون هذه الزيارة لم تخرج عن فحوى الظهور الديبلوماسي والسياسي الإيراني في لبنان واستمرار احتضان ودعم «حزب الله» بالرغم من كل التطورات المتسارعة إقليمياً

ودولياً والحصار المفروض عليه، في حين قوبلت كل عروضات الدعم المطروحة بتحفظ من بعض المسؤولين ورفض من البعض الآخر كونها غير قابلة للصرف أو التطبيق العملي بفعل سياسة العقوبات الاميركية والدولية المفروضة على إيران والتي تحظر على كل الحكومات والشركات من التعاطي مع النظام الإيراني وبالتال فإنه من المجازفة بأن يقبل أي مسؤول لبناني مهما كان موقعه أو تأثيره بهذه المساعدات، لأن هذا يعني بالنهاية عزل لبنان عن العالم ومحاصرته مقابل الانفتاح والتعاون مع إيران، وهذا التصرف غير وارد في قاموس المسؤولين اللبنانيين معهما كانت خلافاتهم وتبايناتهم، ولان انتهاج مثل هذه التصرفات سيضر بمصالح كل اللبنانيين وهذا غير مطروح مهما كانت العروضات الإيرانية لماعة ومنفوخة لأنها ستبقى من دون أي جدوى في ظل الأوضاع الدولية الراهنة.

***

في كلمة أخيرة،

توحي هذه الزيارة والزيارة التي ستليهما لمستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا أنّ أداء الحكومة اللبنانية وقدرتها على العمل سيكون رهن التجاذب الإقليمي الحاد، والتسويّات الدوليّة  المنتظرة. وإنّ الأولوية التي تعطيها الحكومة للملف الاقتصادي سترتبط إلى حدٍ بعيد بمدى قدرة لبنان على النأي بنفسه عن لعبة المحاور. إن إبتسامات الوزير ظريف لا يمكنها أن تخفي الوضع المأزوم لإيران في سوريا وأزمة الثقة مع روسيا، ولا يمكن لإيران أن تخسر في سوريا والمنطقة وتربح في لبنان، كما لا يمكن للبنان أن يبقى الساحة الوحيدة التي تتصرف فيها سوريا على أنها الرابح الأكبر في حين هي خاسرة في سوريا وفي العالم العربي وفي طهران، ولا يمكن لبعض السياسيين الطامحين أن يفرضوا على لبنان في سبيل ذلك أدواراً مستحيلة.

*صحافية لبنانية

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment