المقايضة والمماطلة: من هم أصدقاء أمريكا؟

01/13/2019 - 22:42 PM

Prestige Jewelry

فؤاد صباغ*

مما لا شك فيه تمثل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم القلب النابض للعالم إقتصاديا، ثقافيا، فكريا وسياسيا. فهي تصنف كزعيمة العالم الحر بمبادئها القائمة علي الحرية والديمقراطية. إن نهضة الشعوب الحرة تنطلق من البوابة الأمريكية المكونة لأجيال صاعدة وواعدة في شتي المجالات الحيوية. ففي ظل كل هذه المتغيرات العالمية التي طبعت عالمنا الحديث تبرز بوضوح قوة أمريكا في إدارة الشؤون الدولية تجاريا وماليا.

بالتالي يجب تمجيد هذه العلاقة مع أقوي دولة في العالم التي أسست لملامح العالم الحر الذي تتنوع فيه الأفكار والحريات ولعل أبرز دليل علي ذلك تلك الثورات الشعبية التي كسرت قيود الدكتاتورية لترفع مشعل الحرية عاليا. فإفلاس النظريات القومية الرجعية وإنهيار الشيوعية التي سلبت من الشعوب حرياتهم وصنعت من العباد عمال كالأصنام وفقا لمنظور البلوريتاريا الفاشلة لم تعد تتماشي مع عالمنا الحديث المواكب للتطورات التكنولوجية والإقتصاد الرقمي.

إذ في هذا الإطار جميع دول العالم الثالث تسعي بأقصي مجهوداتها لنقل تلك التكنولوجيات من أجل سد الفجوة الرقمية والسعي للإلتحاق بصفوف الدول المتقدمة. أما بالعودة إلي النظريات الإقتصادية للبحث عن مصدر الثروة في مختلف الأمم نجد منها من يراهن علي قطاع الفلاحة وإعتبار الأرض مصدر الثروة مثلما كانت تسوق له الرؤية الفيزيوقراطية. كذلك نجد نظرية توفير عوامل الصناعة ورأس المال والعمل كما كانت تروج لها المركونتليستية.

أما أحدثها وهي النظريات التي تراهن علي المبادرة في القطاع الخاص مع تحرير الأسواق والأسعار والإندماج في الأسواق المالية العالمية. إذا هنا تكمن جوهر العلاقات الدولية التي تعتمد بالأساس علي الدبلوماسية الإقتصادية من خلال المبادلات التجارية والشراكة الإستراتيجية مع التسويق والترويج للظروف والحوافز الإستثمارية التفاضلية والملائمة لجلب أكبر عدد ممكن من رؤوس الأموال الأجنبية.

فاليوم تتأكد مقولة تشرتشل عندما قال "لا يوجد صديق دائم ولاعدودائم بل توجد مصالح دائمة" خاصة وأن عالمنا المعولم هذا ذو القطب الإقتصادي الواحد أصبح يعتمد فقط علي لغة المال والأعمال. إن مفهوم المقايضة في هذا السياق تعني المساومة عبر العلاقات التجارية خاصة منها الواردات والصادرات في الصناعات الإستهلاكية أوفي المواد الطبيعية كالنفط والغاز.

إذ كل دولة من دول العالم لها مكاسب ومقدرات إقتصادية حيوية تطرحها كأوراق تفاوضية في علاقاتها التجارية الدولية. أما المماطلة فهي تتمثل في المراوغة والوعود الزائفة وعدم الإلتزام بالأفعال والإقتصار فقط علي الأقوال. فهذا المنهج الأخير يمثل طريق الخداع بحيث تغيب فيه المصداقية والشفافية في العلاقات الدولية. فأصدقاء أمريكا اليوم هم ليسوا بالضرورة من يطبلون ويزمرون للعم سام ويهرولون نحو التطبيع الأجوف مع دولة إسرائيل التي لا تقهر.

هؤلاء غالبا تصنفهم أمريكا كمنافقين ومخادعين لأنهم يمارسون السياسة علي قاعدة الكذب والتدجيل علي شعوبهم بالدرجة الأولي وعلي أمريكا بالدرجة الثانية. أما من المنظور الإقتصادي فالعلاقة القائمة بين تلك الدول وأمريكا هي بالأساس تجارية خاصة في قطاع النفط والغاز أو بيع الأسلحة. إن التجربة في مجال الإقتصاد السياسي أثبتت أن أفضل الأنظمة التي خدمت أمريكا وحققت لها مكاسب مالية ضخمة بأقل التكاليف هي الأنظمة الثورية القومية علي غرار نظام العقيد معمر القذافي وصدام حسين.

فالكثير منا لا يصدق هذه الرواية لكن هناك في المقابل بعض المعلومات المؤكدة التي تشير إلي الولاء الكامل لتلك الأنظمة للولايات المتحدة ومخابراتها التي أوصلتهم للسلطة أقوي وأعمق من بقية الأنظمة العربية. كذلك الباحث علي موقع The Richest العالمي يجد علي سبيل المثال أن العقيد القذافي يملك ثروة تقدر ب 200 مليار دولار وهو يصنف كأثري شخص في العالم بحيث تتجاوز ثروته ملوك وأمراء الخليج العربي وغالب أرصدته المالية متواجدة في البنوك الأمريكية وإستثمارات مالية في بورصة وول ستريت.

فعلى هذا الأساس يمكن القول "أن أصدقاء أمريكا الحقيقيين هم أعدائها بحيث يثق فيهم الغرب ولا تثق فيهم العرب أما أعداء أمريكا الحقيقيين هم أصدقائها بحيث لا يثق فيهم الغرب وتثق فيهم العرب". أما مفهوم المقايضة والمماطلة فهي تندرج ضمن الصفقات الإقتصادية، المالية والتجارية في إطار العلاقات الدولية بين مختلف دول العالم خاصة منها الخليجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

* باحث اقتصادي دولي

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment