bah أحمد الشرع: بلورة سوريا بين التوازن وحالة الاستقطاب - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

أحمد الشرع: بلورة سوريا بين التوازن وحالة الاستقطاب

04/15/2025 - 02:07 AM

A

 

 

رامز الحمصي

 

في خضم مرحلة انتقالية تمر بها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، يواجه الرئيس أحمد الشرع مهمة شاقة تتمثل في بلورة رؤية موحدة للبلاد تجنبها الاستقطاب الإقليمي وتحافظ على توازن مصالحها الوطنية. هذا النهج يتجلى في قراراته الاستراتيجية، وخاصة التعيينات العسكرية الأخيرة التي أثارت جدلاً، مثل تعيين فهيم عيسى، المعروف بقربه من تركيا، نائباً لوزير الدفاع وقائداً للمنطقة الشمالية. هذا القرار يكشف عن نهج الشرع في إدارة التحديات الداخلية والخارجية بحذر وحنكة، مع التركيز على المصالح السورية بعيداً عن الانحيازات الخارجية.

تعيين فهيم عيسى، الذي كان يقود فصيلاً عسكرياً، ليس تصعيداً له كما قد يظن البعض، بل تحييداً مدروساً. عيسى، الذي أصبح الآن في منصب إداري ضمن وزارة الدفاع، لا يقود فرقاً عسكرية أو فصائل مسلحة. مهامه تقتصر على شؤون إدارية مثل تعيينات الضباط والإجازات، بينما تبقى القيادة العسكرية الفعلية بيد الأركان العامة، المسؤولة عن التخطيط والعمليات الحربية. هذه الخطوة تظهر أن الشرع يسعى إلى استيعاب شخصيات ذات نفوذ، خاصة تلك المرتبطة بأطراف إقليمية كتركيا، دون منحهم سلطة عسكرية مباشرة قد تهدد التوازن الداخلي أو تثير مخاوف دول أخرى.

منذ توليه الرئاسة في يناير 2025، أظهر الشرع رفضاً واضحاً للاستقطاب لصالح أي طرف إقليمي أو عربي. بدلاً من الانحياز إلى تركيا، التي دعمت فصائل معارضة، أو دول الخليج، التي تسعى لنفوذ اقتصادي وسياسي، ينطلق الشرع من بوابة المصالح الاستراتيجية السورية. هذا النهج يتضح في تحركاته الدبلوماسية. زيارته لأنقرة في فبراير 2025 ركزت على التعاون الأمني والاقتصادي، لكنها لم تتضمن التزامات تحول سوريا إلى وكيل تركي. كذلك، تعامله مع السعودية والإمارات يظهر حرصاً على استقطاب استثمارات لإعادة الإعمار دون الانجرار إلى صراعات إقليمية.

ما يميز رؤية الشرع هو تركيزه على الاصطفاف الاقتصادي بدلاً من العسكري أو السياسي. في خطاباته، أكد أن إعادة بناء سوريا يتطلب مشاريع تنموية طموحة تجعلها مركزاً إقليمياً للاستثمار والتجارة. هذه المشاريع، التي تشمل إحياء القطاع الزراعي وتطوير البنية التحتية، تهدف إلى تحسين حياة السوريين وتعزيز استقلالية البلاد اقتصادياً. من خلال هذا التوجه، يسعى الشرع إلى تحييد سوريا عن الأجندات الإقليمية، مثل الصراع بين إيران والسعودية أو التوترات التركية-الكردية، وجعلها شريكاً محايداً يتعاون مع الجميع.

لكن هذا التوازن يواجه تحديات كبيرة. تعيين شخصيات مثل عيسى قد يثير قلق الأكراد، الذين يرون في أي تقارب مع تركيا تهديداً لمصالحهم، أو يزعج دولاً عربية تخشى نفوذاً تركياً متزايداً. داخلياً، يواجه الشرع ضغوطاً شعبية لتحقيق نتائج ملموسة في الخدمات الأساسية، حيث يعاني السوريون من نقص في الكهرباء والمياه. كما أن الضغط الدولي، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا، يطالب سوريا بإثبات تخليها عن أي صلات بجماعات مصنفة إرهابية، مما يزيد تعقيد مهمة الشرع في دمج فصائل سابقة دون إثارة مخاوف خارجية.

‫سوريا.. أحمد الشرع يعلق على موقف ...‬‎

مع ذلك، يبدو ان الشرع مدركاً لهذه التحديات. تحييده لشخصيات مثل عيسى، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع تركيا ودول الخليج، يعكس قدرة على إدارة الأزمات بحذر. خطواته الاقتصادية، مثل إطلاق مشاريع تنموية في الساحل والجنوب، تهدف إلى طمأنة السوريين بأن الأولوية هي تحسين حياتهم، لا الانجرار إلى صراعات خارجية. لكن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب دعماً داخلياً ودولياً، وهو ما يعتمد على قدرته على تحقيق إصلاحات ملموسة.

أحمد الشرع يسعى إلى بلورة سوريا كدولة متماسكة وسط محيط مضطرب. نهجه القائم على التوازن والتركيز على المصالح الاقتصادية قد يكون مفتاحاً لتجنب الاستقطاب الإقليمي، لكن الطريق أمامه طويل. سوريا الجديدة تحتاج قائداً يحافظ على استقلاليتها مع استغلال الفرص الخارجية، والشرع يظهر إصراراً على تحقيق ذلك.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment