الأولوية للاتفاق على استراتيجية لحماية لبنان

05/31/2018 - 11:05 AM

بيروت تايمز

 

الدكتور فيليب سالم والدكتور بول سالم 

ها قد هدأت نسبياً العواصف الداخلية، إلّا ان العواصف الخارجية، الدولية منها والاقليمية، والتي تهدد أمن لبنان واستقراره لم تهدأ بعد. بل على العكس فهي في ازدياد مطرد. فها هي خطوط التماس التي كانت في حالة هدنة البارحة تشتعل اليوم. خطوط تماس بين أميركا ترامب وايران، وبين اسرائيل نتنياهو والفلسطينيين، وبين اسرائيل وإيران. والخوف الكبير ان اسرائيل تدعي انها في خطر وجودي، فالذراع العسكرية لإيران الجمهورية الاسلامية تلتف حولها وتشد الخناق على عنقها، من لبنان الى سوريا الى فلسطين. وقد أعلنت اسرائيل مراراً أنها لن ترضخ ولن تقبل بهذا الواقع الجديد. وها هي قد بدأت تعمل لتغييره بشن هجمات قاسية على مواقع عسكرية ايرانية في سوريا. والسؤال الكبير، هل ستبقى الاعمال العسكرية محدودة ومضبوطة وعلى نار خفيفة كما هو الحال الآن؟ أم ان اسرائيل سترى في وجود ترامب في البيت الابيض فرصة تاريخية لشن حرب مدمرة على ايران في سوريا ولبنان وفلسطين؟  

نحن نخاف على لبناننا. نخاف من حرب جديدة. ونخاف ان تكون الحرب هذه المرة أشدّ عنفاً وأكثر تدميراً. لذا جئنا نطالب الدولة وهذا العهد بالذات بإعطاء الاولوية القصوى لوضع استراتيجية لحماية لبنان. استراتيجية تحميه من أي اعتداء عليه. هذا اللبنان الذي لم يعتد يوما على أحد. ان الحرب ليست قدراً. كانت حروبنا في السنوات الأربعين الماضية نتيجة فشلنا في بناء وطن. كانت حروبنا مسؤوليتنا. لم تكن مسؤولية الآخرين. كذلك نقول اليوم أيضاً ان صنع السلام في لبنان هو مسؤوليتنا نحن لا غيرنا. لقد قال رئيس البلاد انه سيدعو بعد الانتخابات الى طاولة حوار حول الاستراتيجية الدفاعية. فمتى يبدأ هذا الحوار؟ برأينا يجب ان يبدأ اليوم وليس غداً. وهناك فرصة جديدة حقيقية للتوصل الى رؤية موحدة. نأمل هذه المرة ان يكون الحوار مختلفاً عما كان في المرات السابقة. فصاحب العهد على علاقة ثقة واحترام مع المقاومة. والمقاومة ليس من مصلحتها ان تخوض حرباً جديدة. لم تلتئم جراح "حزب الله" بعد من جراء حربه في سوريا ولم يتمكن بعد من ترميم التصدعات التي أصابته في بنيته الشعبوية من الضاحية الجنوبية امتدادا الى البقاع الى بعلبك. من هنا نتمنى على رئيس الجمهورية ان يجمع قادة القوى السياسية ومنها قادة "حزب الله" الى طاولة حوار في أقرب وقت ممكن. الى حوار جدي لا حوار فولكلوري. وهذه هي بعض الافكار التي نود ان نطرحها نحن في هذا الحوار.

أولا: الحياد الدفاعي. لقد كانت سياسة النأي بالنفس التي رفعت شعارها الحكومات السابقة خطوة في الاتجاه الصحيح، الا انها ليست كافية لتحصين الامن والاستقرار في لبنان. لقد حان الوقت للارتقاء الى سياسة الحياد الدفاعي. في هذا الحياد الدفاعي يلتزم لبنان عدم المبادرة بالحرب ولكنه يحتفظ بحقه المقدس بالرد ، وبكل قوّته ومكوّناته ، على أي هجوم مباشر عليه. والحياد الدفاعي لا يعني الحياد السياسي بل يبقى لبنان ملتزماً القضايا العربية والمحقة. ان سياسة الحياد الدفاعي هي سياسة استباقية للحؤول دون وقوع لبنان ضحية لـ"حروب الاخرين"؛ وسياسة تجنب لبنان الازمات والحروب. وكيف يمكنك ان تتجنب الحرب ان لم تخطط للسلام؟

نحن نريد حياداً دفاعياً فاعلاً يصب في مصلحة لبنان ويؤمن له السلام. حياداً تحت سقف الجامعة العربية وسقف الشرعية الدولية. حياداً يبقي لبنان خارج الصراعات العربية- العربية وخارج الصراعات الاقليمية. ولنجاح سياسة الحياد الدفاعي هذه يجب ان نتكل على أنفسنا أولاً ولكن هذا لا يعني عدم توفير الدعم الدولي لها. ان الدعم الدولي الذي ينعم به لبنان اليوم هو دعم خجول ويكاد ينحصر بإنماء الاقتصاد وبقضية النازحين السوريين. نريد دعماً أكبر، نريد دعماً سياسياً لترسيخ استقلال هذا الوطن الصغير وسيادته. وعندما نذهب نحن الى العالم يجب ألا نقدم لبنان له كمساحة للحوار بين الاديان والثقافات فحسب، بل أيضاً كنموذج للاستقرار، نموذج ضد الارهاب ونموذج ضد التطرف. فلبنان هو البلد الوحيد في الشرق كله الذي يبقى نموذجاً للتعددية الحضارية. لقد نجحت اسرائيل في اقناع العالم بأن وجودها في الشرق ضرورة. أما نحن فلم ننجح بعد في اقناع العالم بأن وجود لبنان ضرورة أكبر.

ثانيا: في الاستراتيجية الدفاعية نأمل في الوصول الى اتفاق يتعهد بموجبه "حزب الله" البنود التالية:

أ‌. ألا يكون البادئ بحرب مع اسرائيل وألا يقوم بأي اعمال حربية ضدها توفر لها الحجة لشن حرب على لبنان كما حدث في تموز 2006 .

ب‌. وألا ينخرط في الحرب إذا شنت اسرائيل حرباً على دول غير لبنان، كسوريا او ايران. يدخل "حزب الله" الحرب فقط اذا تعرض لبنان لضربة من اسرائيل.

ج‌. وعند ذاك يدخل بناء على قرار تأخذه الدولة اللبنانية. في هذا اليوم يجب أن نعمل على نقل قرار السلم والحرب من يد المقاومة الى يد الدولة. من قرار يصنع في قيادة حزب الى قرار يصنع في مجلس الوزراء. هذا المجلس الذي يمثل كل القوى السياسية بما فيها قوى "حزب الله". ونحن في المبدأ لا نرضى بأن يكون هناك سلاح خارج الدولة لأنه ليست هناك سيادة للدولة بوجود سلاح غير سلاحها. ولا بد من طرح هذه القضية على طاولة الحوار. الا اننا نعي ان هذا حوار قد يطول والالحاح اليوم هو لتحصين سياسة الحياد الدفاعي ووضع قرار استعمال هذا السلاح في يد الدولة.

وفي الاستراتيجية الدفاعية يجب نشر الجيش اللبناني على جميع الحدود الشرقية والشمالية كلها دون استثناء. كل الحدود التي تفصل لبنان عن سوريا. ويجب تأمين كل الدعم اللوجيستي للجيش حتى يتمكن من القيام بواجباته. نحن ننحني أمام هذا الجيش الذي هو مؤتمن ليس فقط على حماية الارض وحماية الأمن، بل أيضاً على حماية كرامتنا. كرامة اللبنانيين، كل اللبنانيين بكل فئاتهم وانتماءاتهم.

لقد قامت في الماضي محاولات عدة للحوار بهدف التوصل الى اتفاق على استراتيجية دفاعية. باءت كلها بالفشل. لكننا اليوم أمام فرصة تاريخية. حروب اقليمية ودولية تهدد بدمار لبنان. رئيس جديد يريد بناء الدولة وتأتمنه المقاومة، ومقاومة متعبة من حرب في سوريا ولا نظنها تريد حروبا جديدة. كل هذه العوامل تقودنا الى الامل في التوصل الى اتفاق على سياسة لحماية لبنان. ان الخطر الذي يحدق بنا يهدد لبنان كله. ويهدد شعبه - كل شعبه - دون استثناء. والاستراتيجية التي نطرحها هي لتجنيب كل لبنان وكل اللبنانيين هذا الخطر. لقد شبعت الارض دماء وضجّت بالشهداء. وماذا يا تُرى تقول الارض لو تكلمت؟ تقول الارض: كفى حروباً، كفى موت ، "دعوا شعبي يعيش". 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment