bah بمناسبة اليوم العالمي للسرطان - انقلاب على الاستراتيجيات التقليدية لمعالجة الأمراض السرطانية - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

بمناسبة اليوم العالمي للسرطان - انقلاب على الاستراتيجيات التقليدية لمعالجة الأمراض السرطانية

02/04/2025 - 01:19 AM

A

 

 

 

بقلم الدكتور فيليب سالم

 

في مثل هذا اليوم من كل سنة، يقف البشر في جميع أنحاء العالم بخوف وخشوع أمام "امبراطور الأمراض"، ويسألون: أين نحن من القضاء على هذا المرض؟ والى متى سيبقى هذا المرض يهدد حياتنا ويزرع الخوف في قلوبنا؟ وأي تقدم احرزه العلم في السنوات الأخيرة؟

إن المعرفة العلمية التي نمتلكها اليوم تمكننا من شفاء 65% من جميع المرضى المصابين بالأمراض السرطانية. كما تمكننا من وقاية 70% من الإصابات بهذه الامراض. إلا ان المرضى المصابين بحالات متقدمة من المرض، تهبط عندهم نسبة الشفاء التام هبوطاً ملحوظاً. وتتوقف نسبة الهبوط عندهم على نوع المرض السرطاني وعلى جودة العلاج. وها قد جئنا اليوم، وبمناسبة اليوم العالمي للسرطان، نتكلم عن أهمية جودة العلاج، وعن المفاهيم الجديدة التي تشكل انقلابا على الفكر التقليدي لمعالجة الأمراض السرطانية، وتقود إلى ارتفاع كبير في نسبة الشفاء.

المفهوم الأول

إن الخلايا السرطانية في المريض الواحد هي على عكس ما كنا نعتقد. فإنها ليست من نوع واحد، بل هي تختلف في الشكل والوظيفة، كما تختلف في التجاوب للعلاج. بعضها قد يتجاوب إلى العلاج الكيميائي، وبعضها قد يتجاوب إلى العلاج المناعي، والبعض الآخر قد يتجاوب إلى العلاج المستهدف. لذا، فمن المنطق أن نعالج المريض بمزيج من هذه العلاجات الثلاث.

وها قد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن هذا المزيج يقتل عددا أكبر بكثير من الخلايا السرطانية نسبة إلى العلاج التقليدي الذي يستخدم نوعا واحدا من هذه العلاجات؛ وبالتالي فهو يحدث ارتفاعا كبيرا في نسبة الشفاء. هذه العلاجات الثلاث تقتل الخلية السرطانية بطرق مختلفة. فبينما يقتل العلاج الكيميائي الخلية السرطانية كما يقتل الخلية الصحيحة، فالعلاج المستهدف يستهدف الخلية السرطانية وحدها دون غيرها. أما العلاج المناعي يعمل بواسطة تحفيز جهاز المناعة عنذ المريض بحيث يصبح هذا الجهاز قادرا على التعرف على الخلية المريضة وتدميرها.

المفهوم الثاني

هو أنه ليس هناك مريضان بالسرطان مصابان بنفس المرض. فالمرض في المريض الواحد يختلف جذريا عن المرض في المريض الآخر؛ حتى ولو كان المرض ناشئا من نفس العضو في الجسم، ويحمل نفس التشخيص الميكروسكوبي التشريحي (Anatomical diagnosis).

لقد تعلمنا أن تحديد المرض بهويته البيولوجية وعلى مستوى الخلية هو أهم من تحديد المرض بمظهره تحت المجهر. كما تعلمنا أن الهوية البيولوجية للمرض هي فريدة من نوعها وانه ليس هناك مريضان يحملان نفس الهوية. هذا يقودنا الى رؤية جديدة تؤمن بان معالجة المئات من المرضى بنفس العلاج هو امر غير منطقي. وهنا يكمن لب الانقلاب على الاستراتيجية التقليدية للمعالجة.

في الاستراتيجية الجديدة، يصمم العلاج على قياس المريض الفرد وعلى قياس نوع المرض عند هذا المريض. وفي الاستراتيجية الجديدة ايضا يعالج كل مريض بالمزيج من العلاجات الثلاث ولكنه بالرغم من ذلك يكون العلاج مختلفا بين مريض وآخر؛ اذ ان كل نوع من العلاجات الثلاث يمتلك عددا كبيرا من الأدوية المختلفة. ان لب الانقلاب هو انه ليس هناك مريضان يعالجان بنفس العلاج. هذا المنحى من العلاج الذي يركز على الهوية البيولوجية سيصبح المستقبل، اما العلاج الذي يركز على الهوية الميكروسكوبية (Anatomical diagnosis) فقط، سيصبح من الماضي.

بالإضافة إلى ذلك أن هذه الاستراتيجية يمكن استعمالها في معالجة جميع الأمراض السرطانية، عدا سرطان الدم. وها قد اثبتت الأبحاث الحديثة انه في كل مرض استعملت فيه هذه الاستراتيجية كانت نتيجة التجاوب لها أفضل بكثير من نتيجة العلاجات التقليدية.

المفهوم الثالث

هو أن الطبيب يجب أن يعالج مريضه بما يعتبره أفضل علاج له، وليس بما يعتبره العلاج القابل للتعويض من شركات الضمان الصحي والذي يعتبر العلاج التقليدي المفضل وما يعرف باللغة الإنجليزية بـ Standard therapy. أن العلاج الأخير قد يكون علاجا فعالا، ولكنه قد لا يكون بالضرورة أفضل علاج. السر، هو أنه في معالجة الأمراض السرطانية، قد يكون الفرق بين أفضل علاج والعلاج التقليدي هو الفرق بين الحياة والموت.

وهناك مشكلة كبرى، إذ أن الأطباء يترددون في استعمال أفضل علاج لأن شركات التأمين قد لا توافق عليه، ولذا لا تغطي النفقات المالية له. يجب ان نتذكر ان الهدف الأساسي لشركات التأمين هو الربح المالي وليس شفاء المريض. ولذا فهي تفتش دائما عن ذرائع لتجنب دفع النفقات الباهظة المتوجبة أحيانا في العلاج الأفضل.

عندما كنت عضوا في لجنة استشارية صحية للرئيس جورج بوش الأب، حاولت جاهدا تحرير الطبيب من من طغيان شركات التأمين إلا انني اكتشفت أن هذه الشركات هي أقوى من الدولة. ويتردد الأطباء في استعمال افضل علاج لانه قد يكون سببا لاقامة دعاوى قضائية ضدهم. ففي الولايات المتحدة الأميركية قد يتعرض الطبيب الى دعوى قضائية ضده من قبل المريض او اهله عندما يستعمل علاجا خارج منظومة ما يسمى ب Standard therapy.

‏هذا هو الانقلاب. وهذه هي الطريق لإعطاء المريض المصاب بالسرطان وهو في الحالات المتقدمة منه، أفضل فرصة للشفاء التام: استعمال المزيج الثلاثي، وتصميم العلاج على شخص المريض ونوع السرطان المصاب به، واختيار ما يعتبره الطبيب افضل علاج متوفر.

‏إن أهم حق للإنسان هو الحق في أن يحيا. والحق في الحياة يمر في الحق في الصحة، إذ أن الصحة هي البوابة للحياة. ان كل الحقوق التي جاءت في شرعة الامم المتحدة لحقوق الانسان تذبل امام حق الانسان في الحياة. هذا الحق يجب أن يكون أولوية سلم الأولويات لأي دولة في العالم. آلاف من البشر يموتون كل يوم لأنهم لا يملكون هذا الحق.والذريعة دائما هو عدم توفر المال لدعم هذا الحق.

يقولون، ان لا مال عندهم كاف لدعم الإنسان في صراعه ضد المرض، ولكنه بالطبع يملكون فائض المال لصنع وشراء أكثر الأسلحة دمارا لقتل الإنسان وشن الحروب. فمتى يا ترى يأتي إلى هذا العالم قادة يؤمنون بأن القوة هي في إحياء الإنسان وإعلاء شأنه، لا في إذلاله وقتله؟ لقد جاء في القرآن "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment