bah الأسد تحت الضغط مع تحقيق المعارضة مكاسب ميدانية: التنحي على الأبواب! - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الأسد تحت الضغط مع تحقيق المعارضة مكاسب ميدانية: التنحي على الأبواب!

12/06/2024 - 16:49 PM

اطلس للترجمة

رامز الحمصي *

 

في تطور غير مسبوق، تلقى الرئيس السوري بشار الأسد سيلاً من المراسلات من مسؤولين عرب ودوليين ومحليين يحثونه على التخلي عن السلطة، وذلك وفقاً لمعلومات حصرية حصل عليها "الحل نت". وتأتي هذه الدعوات لتنحي الأسد في الوقت الذي حققت فيه قوات المعارضة السورية مكاسب ميدانية واستراتيجية كبيرة في الأيام الأخيرة، حيث سيطرت على مدن رئيسية بما في ذلك حلب وإدلب وريف حماة، وطردها للميليشيات المدعومة من إيران من مناطق في شرق دير الزور.

لم تغير هذه التطورات ديناميكيات ساحة المعركة فحسب، بل أعادت تشكيل المشهد الجيوسياسي المحيط بأحد أطول الصراعات في الشرق الأوسط.

يبدو أن المد بدأ يتحول بشكل كبير ضد الأسد ونظامه المحاصر بعد أكثر من عقد من الحرب التي دمرت سوريا وشردت الملايين. فالقادة العرب، الذين ترددوا طويلاً في تحدي الأسد بشكل مباشر، يشكلون الآن جبهة موحدة للضغط على الرئيس السوري للتنحي والسماح بعملية انتقال سياسي. وقال دبلوماسي عربي رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة للمناقشات: ”لقد فقد بشار الأسد كل الشرعية، وحكمه لا يمكن الدفاع عنه، ومن أجل مصلحة الشعب السوري والمنطقة والعالم، يجب أن يرحل“.

عودة المعارضة تعيد الدفة

مع إعادة المعارضة السورية سيطرتها على مساحة واسعة من الأراضي السورية وخصوصا حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، حمّلت العديد من الدول عدم الاستقرار الذي حصل للرئيس السوري، بشار الأسد، خصوصا أنه عرقل العملية السياسية.

القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، انضم إليها مؤخرا جوقة من الأصوات المطالبة برحيل الأسد. يكمن جوهر حجتهم في الاعتقاد بأن الأسد هو العائق الرئيسي أمام السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة ككل. وترى هذه الدول أنه لا يمكن تحقيق المصالحة وإعادة الإعمار إلا من خلال تغيير القيادة.

رسائل مشتركة شديدة اللهجة وصلت إلى الأسد من خلال اتصالات هاتفية أو مراسلات رسمية، تطالبه بالسيطرة على الوضع العسكري أو التنحي، حتى المعارضة المحلية: من داخل سوريا، لم تكتفِ بالقتال في ساحة المعركة، بل صاغت أيضاً بيانات وإعلانات تحث الأسد على التخلي عن السلطة. وتشدد على الحاجة إلى حكومة انتقالية متحررة من نفوذ عائلة الأسد للبدء بإصلاحات حقيقية وتعافي وطني.

بعض الرسائل الغربية التي نقلها وسطاء عرب إلى الأسد، كشفت عن نوايا بعض الدول تقديم دعم دبلوماسي واقتصادي قوي، وإذا لزم الأمر، دعم عسكري للمعارضة السورية للتعجيل بسقوط الأسد.

حتى روسيا الحليف القوي للأسد يبدو أنها مترددة في دعمها للرئيس السوري في ضوء الزخم الميداني للمعارضة في ساحة المعركة والضغوط العالمية المتزايدة. فقد كشف مصدر مقرب من الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ الأسد سرًا أنه في حين أن موسكو لا تزال تعتبره صديقًا، إلا أنه قد يتعين اتخاذ ”قرارات صعبة“ لإنهاء الصراع وإنقاذ المصالح الروسية في البلاد والمنطقة.

ومن الواضح أن طوفان المطالبات الدبلوماسية بالإطاحة بالأسد يهدف إلى إقناع الرئيس السوري العنيد بأن عزلته الدولية قد اكتملت الآن، وأنه استنفد صبر وحسن نية حتى أقرب شركائه، وأن محاولة التشبث بالسلطة لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد معاناة سوريا وستؤدي إلى مصير أسوأ له ولنظامه.

الأسد في أضعف أحواله

منذ تاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، حين أعلنت المعارضة السورية معركة "ردع العدوان"، فوجئت القيادة السورية بعدة حقائق صادمة:

1- هروب العديد من عناصر الجيش والقوات الرديفة له من الميليشيات المحلية والإيرانية ما اضطره لإعلان التعبئة من جديد، وإصدار بيانات لتوقيع عقود تطوع مع مواطنين محليين.

2- حالة تخبط في الحاضنة القريبة من الأسد، حيث بدأت بطرح إعلانات تطوع مع انهيار الجيش لحماية مصالحهم في مدن الساحل، حيث أعلن وسيم الأسد ابن عم الرئيس السوري والمعاقب دوليا، تجهيز مجموعات لحماية اللاذقية.

2- تراجع الدعم العسكري الروسي، حيث انسحب القوات الروسية من عدة نقاط في حلب وحماة ودير الزور دون تفسير. وأيضا الدعم الجوي للجيش السوري ليس على المستوى المأمول كما كان سابقا. أيضا أجلت روسيا أصولها البحرية من ميناء طرطوس، يوم الاثنين الفائت، حيث غادرت السفينة الروسية المساعدة "يلنيا" طرطوس، مع أنباء عن مغادرة فرقاطتين وسفينة مساعدة وغواصة أيضًا.

3- رفض "حزب الله" إرسال مقاتلين لمساندة الجيش السوري.

4- إغلاق العراق لحدوده مع سوريا، وانخراط "التحالف الدولي" في منع ميليشيات عراقية موالية لطهران من دخولها سوريا عبر قصفها جوا.

5- عدم قدرة طهران على إسناد دمشق بعد قطع الجسر الجوي من طهران إلى دمشق من قبل إسرائيل. حتى أن الخلاف التركي الإيراني حول سوريا وصل ل نقطة اللاعودة، حيث صرح يوم الثلاثاء، مستشار خامنئي للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي: "لم نتوقع أن تقع تركيا في الفخ الذي حفرته لها أميركا وإسرائيل في سوريا".

6- انسحاب عربي سياسي من دعم دمشق سببه تلكؤ الأسد في تنفيذ المبادرة العربية "خطوة مقابل خطوة".

لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الأسد مستعداً لقبول مثل هذا الواقع بعد أن صمد بتحدٍ أمام سنوات من الصراع، وقتل جيشه مئات الآلاف من السوريين وشرد الملايين وبات البلد في حالة خراب. قد يعتمد الكثير على مدى صلابة البنية الأمنية وكبار المسؤولين العسكريين والحكوميين المحيطين بالأسد - إذا بدأوا برؤية الواقع الحالي ومصالحهم الخاصة المختلفة عن مصالح الرئيس، فقد يؤدي ذلك إلى تسريع تنحي الأسد.

يتوافق التحرك الدبلوماسي المشترك مع النشاط والقوة الجديدة للمعارضة السورية في ساحة المعركة. وبمساعدة المساعدات العسكرية الخارجية المتزايدة، حققت قوات المعارضة سلسلة من الانتصارات المذهلة في الأيام الأخيرة، مما أعاد تشكيل ملامح الحرب التي طال أمدها.

من أبرز هذه الانتصارات نجاح مقاتلي المعارضة في طرد الميليشيات الإيرانية ووحدات الجيش السوري من معاقلها التي كانت تسيطر عليها منذ فترة طويلة في شرق محافظة دير الزور على طول الحدود مع العراق. وكانت السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية قد مكّنت إيران من إقامة جسر بري لنقل الأسلحة والنفط والمقاتلين بين العراق وسوريا ولبنان، وهو ممر كان حاسماً للجهود الإيرانية الرامية إلى بناء ”هلال شيعي“ من النفوذ في المنطقة. وتشكّل خسارة هذا الممر ضربة موجعة لطموحات إيران الإقليمية ووكلائها في المنطقة.

في الوقت نفسه، أدى تقدم فصائل المعارضة في محافظات حلب وإدلب وحماة - بما في ذلك الاستيلاء على تلك المدن الرئيسية - إلى إنهاء سيطرة الأسد على مساحات واسعة من شمال ووسط سوريا. وأصبح حكم الرئيس الآن محصوراً في المقام الأول على ركام في دمشق وأجزاء من غرب سوريا، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان نظامه قابلاً للاستمرار في المستقبل.

التحليل الميداني

كان العامل الرئيسي وراء تقدم الثوار هو تزايد براعتهم القتالية واحترافيتهم وتنسيقهم المتزايد. ففي حين كانت المعارضة في السابق مجزّأة بين مجموعات محلية متباينة وعرضة إلى التلاعب بها ضد بعضها البعض، باتت المعارضة اليوم تشبه على نحو متزايد حركة مقاومة وطنية متماسكة مع تحسن في القيادة والسيطرة. وقد استفاد المقاتلون أيضاً من تدفّق المنشقّين عن الجيش السوري، الذين لديهم مهارات وخبرات في المعارك.

ومن العناصر الحاسمة الأخرى تعزيز المساعدة العسكرية الأجنبية. فقد كثفت الدول المجاورة لسوريا، وخاصة تركيا، من شحنات الأسلحة في محاولة لتسريع السيطرة على مساحات واسعة داخل البلاد. وفي الوقت نفسه، عمقت الولايات المتحدة شراكتها مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرق سوريا.

لا تقتصر أهمية السيطرة على حلب وإدلب وحماة على الأهمية العسكرية فحسب، بل لها أهمية رمزية أيضًا. فهذه المدن حاسمة للسيطرة على قلب سوريا الاقتصادي والاستراتيجي. وتدل قدرة المعارضة على السيطرة على هذه المناطق وحكمها على تحول في القدرات والشرعية على الأرض.

أظهرت قوات الحكومة السورية علامات الإرهاق والفوضى وعدم الثقة، خاصة مع فقدان العناصر العسكرية الرئيسية وانهيار هياكل القيادة. ويشير التقدم السريع للمعارضة إلى انهيار معنويات الموالين للأسد.

وفي حين أن المعارضة كانت تاريخياً مشتتة، إلا أن الانتصارات الأخيرة تشير إلى مستوى أعلى من التنسيق، ربما بفضل الدعم التركي في إدلب والمساعدات الدولية السرية. ويشير طرد القوات الإيرانية من دير الزور إلى استراتيجية أوسع للتحالف لعزل خيارات الأسد العسكرية.

أدت هذه التحولات إلى تغيير ميزان القوى بشكل كبير. فمع سيطرتها على المدن الرئيسية، تتمتع المعارضة الآن بنفوذ في أي مفاوضات أو محادثات سلام، ومن المحتمل أن تملي شروطها. كما أن طرد القوات الإيرانية يقلل من أحد الداعمين العسكريين الرئيسيين للأسد، مما يقلل من قدرته على استعادة الأراضي التي خسرها.

ماذا يعني سياسيا؟

يشير نهج المطالبين للأسد بالتنحي، بحسب المحلل السياسي، محمد عبيد، إلى إعادة اصطفاف أوسع نطاقًا في سياسات الشرق الأوسط، حيث يتطلع خصوم الأسد السابقون الآن إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال إزاحة أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل فيها. ويتأثر هذا التحول جزئياً بتغير ديناميكيات السلطة بعد رئاسة دونالد ترامب، حيث تعيد القوى الإقليمية تقييم تحالفاتها في ضوء التحولات في السياسة الأميركية.

ويضيف عبيد في حديثه لـ"الحل نت"، أنه مع تدهور الاقتصاد السوري وحاجة مناطق شاسعة إلى إعادة الإعمار، هناك حجة اقتصادية للإطاحة بالأسد. فالمستثمرون والحكومات الأجنبية حذرون من التعامل مع نظام لا يزال يخضع لعقوبات دولية. وقد يفتح تنحيه الباب أمام المساعدات والاستثمارات، وهو أمر ضروري لإعادة بناء البلاد.

كما تعكس الضغوط الدولية أيضاً قلقاً استراتيجياً بشأن علاقات الأسد بإيران واحتمال استمرار التشدد. فطرد الميليشيات الإيرانية من دير الزور يرسل إشارة إلى الأسد بأن اعتماده على المقاتلين الأجانب، لا سيما أولئك المرتبطين بإيران، لم يعد قابلاً للاستمرار أو مقبولاً.

ومن الناحية الأهم، فمع نزوح الملايين واستمرار الأزمة التي تؤثر على الأمن العالمي، يُنظر إلى الإطاحة بالأسد كخطوة نحو تخفيف الكارثة الإنسانية.

هل يتنحى الأسد؟

الأثر التراكمي لعودة المعارضة إلى الواجهة يظهر تحولاً كبيرا في ميزان القوى ضد الأسد. فبينما كان بإمكان الرئيس أن يتشبث بالأمل في أن يتمكن من تحقيق نصر عسكري على تمرد منقسم سابقا، فإنه يواجه اليوم معارضة متزايدة الكفاءة وموحدة ومزودة بإمدادات جيدة وتلتهم الأراضي بسرعة. قد لا يكون أمام الأسد خيار آخر سوى التخلي عن الرئاسة كجزء من عملية انتقالية مدارة إذا كان يرغب في تجنب مصير أسلافه مثل معمر القذافي في ليبيا أو صدام حسين في العراق.

ومع ذلك، لا يزال الطريق أمام سوريا طويلاً ومحفوفاً بالمخاطر، حتى في سيناريو ما بعد الأسد. فقد دُمرت البلاد بسبب عقد من الحرب الشاملة، حيث تمزق نسيجها الاجتماعي، وسُحقت بنيتها التحتية، ودُمر اقتصادها، وضاع جيل من الشباب في مهب الريح. ستتطلب إعادة الإعمار جهداً دولياً جباراً.

كما أنه ليس من المؤكد أن العناصر المتباينة التي تتألف منها المعارضة المناهضة للأسد ستكون قادرة على إقامة نظام فعال ومستقر بعد الحرب. فاحتمالات تصفية الحسابات والصراع على السلطة بين فصائل المعارضة المنتصرة كبيرة. ولا تزال الجماعات الجهادية، نشطة ويمكن أن تحاول لعب دور المفسد.

ومع ذلك، فإن قرع طبول التطورات المتسارعة - على الأرض وفي الغرف الدبلوماسية - يشير إلى احتمال حقيقي لنهاية اللعبة في الصراع المؤلم في سوريا. فحكم الأسد، الذي طالما افترضنا أنه غير قابل للتغيير، يترنح كما لم يحدث من قبل. عزلته الدولية أصبحت الآن كاملة، حتى أقرب حلفائه باتوا يقبلون بضرورة رحيله. أما في الداخل السوري، فقد أثبتت المعارضة المسلحة قوتها وجعلت هزيمة النظام العسكرية مرجحة بشكل متزايد.

في الأيام والأسابيع القادمة، سينصب التركيز على ما إذا كان الأسد سيقبل بالأمر الحتمي المتزايد ويوافق على الخروج بشروط أقل دموية. وسيعتمد الكثير على تصرفات الدائرة المقربة منه وحساباتهم حول مصائرهم ومصالحهم.

في الختام، المطالبة بتنحي الأسد هي لحظة محورية في الصراع السوري، مما يشير إلى سيناريو محتمل لنهاية اللعبة. يمكن أن تشكل هذه اللحظة نقطة تحول في التاريخ السوري، حيث قد تؤدي الإرادة المشتركة للقوى المحلية والعربية والدولية في النهاية إلى تحويل الدفة نحو مرحلة ما بعد الأسد، على الرغم من أن الطريق إلى هناك ليس مؤكدًا.

 

*صحف مختص بالمواجز التحليلية والتحقيق في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الشّأن السّوري وسياسات الشّرق الأوسط.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment