د.اليان سركيس
انتقاد الزعامات اللبنانية التي حكمت البلاد على مدى الأربعين عامًا الماضية حق مشروع للكثير من اللبنانيين الذين يشعرون بالإحباط من الوضع الراهن. السؤال ماهي مسؤولية الشعب في استمرار هذه السلطة الفاسدة والفاشلة.
قادة لبنان شكلوا طبقة سياسية مترابطة ومتماسكة، ترتكز على مصالح شخصية وعائلية، مما جعل مؤسسات الدولة أداة لتعزيز سلطاتهم بدلاً من خدمة الشعب. معظم الزعماء تصرفوا على أساس الولاءات الطائفية والمحاصصة، ما جعل من الصعب على الأفراد أن يروا بديلاً يعكس مصالح الشعب بشكل حقيقي.
الطائفية أداة مركزية في السياسة اللبنانية، واستخدمها الزعماء لتفريق الشعب وضمان ولاءات متباينة. بالنسبة لكثير من اللبنانيين، الزعيم الطائفي يضمن لهم شعورًا بالأمان ضمن محيط مضطرب، وبالتالي، استمر الدعم للزعامات رغم فشلها. الطائفية ليست مبرراً، ولكنها إحدى الأسباب الهيكلية التي رسخت سطوة الزعماء التقليديين على مدى عقود.
الشعب اللبناني يتحمل جزءًا من المسؤولية، إذ أن فئة كبيرة منه استمرت في انتخاب هذه الزعامات، أحيانًا بسبب الخوف من عدم الاستقرار أو الأمل في تحسين الوضع الاقتصادي من خلال وعود قديمة. لكن من الصعب إلقاء اللوم بالكامل على الشعب، خاصة أن النظام السياسي والاقتصادي البنيوي وضع حواجز عديدة أمام التحول الحقيقي والتغيير.
تواطأت الزعامات السياسية في استغلال الاقتصاد اللبناني لجني أرباح شخصية، مما أدى إلى أزمة اقتصادية عميقة. عبر عقود، بُنيت طبقة اقتصادية مرتبطة مباشرة بهذه الزعامات، ما زاد من صعوبة التغيير لوجود شبكة مصالح اقتصادية موازية للسلطة السياسية. وهكذا، يتردد العديد من اللبنانيين في دعم حركات التغيير خوفًا من فقدان الفرص أو التسهيلات التي تُقدم من هذه الشبكات.
من الجدير بالذكر أن الشباب اللبناني يظهر وعيًا متزايدًا ويرفض الطائفية السياسية ويدعم مبادئ العدالة والمحاسبة. التحركات الشعبية والاحتجاجات في السنوات الأخيرة، رغم قمعها وإحباطها، تظهر أن جزءًا من الشعب يرفض الاستمرار في هذه الحلقة المفرغة.
المشكلة تتوزع على الزعامات والشعب والنظام الطائفي والاقتصادي معًا. الزعامات السياسية تتحمل مسؤولية كبيرة عن الوضع المأساوي، لكن النظام الطائفي والخوف المجتمعي من عدم الاستقرار يجعلان من الصعب للشعب اللبناني أن يغير واقعه بسهولة.
التغيير الحقيقي في لبنان يتطلب تجاوز المحاصصة الطائفية، وتقديم مسؤولين يضعون المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية والطائفية.
Comments