بقلم الدكتور لويس حبيقة
لا يمكن بناء أي اقتصاد من دون نظام مصرفي فاعل وشفاف يخدم الاقتصاد في جانبيه الاستهلاكي والاستثماري. يلاحظ المواطن بسهولة أن الأنظمة المصرفية غير مستقرة في معظم الدول. لا تحدث الأزمات المصرفية صدفة أو مفاجأة، بل نتيجة عوامل ووقائع معقدة ومتراكمة. نجاح أي نظام مصرفي واستمرارية استقراره مرتبطان بالمؤسسات السياسية وقدرتها على فرض التوازن بين قوة المصارف والاجراءات الرقابية المطبقة. هذه العلاقة التي لا مفر منها غير سهلة وتؤدي الى التصادم اذا طبقت بحرفية.
فالسياسة والسياسيون يؤثران على نوعية الاجراءات الرقابية وعلى الممارسة المطلوبة لتطبيقها. فالمواطنون يتهمون دائما ادارات المصارف وأجهزة الرقابة بالتسبب في الأزمات المصرفية، لكنهم ينسون أو يتناسون أن النظام المصرفي هو مرآة للنظام السياسي أي أن فسادهما مترابط ويؤثر الواحد على الآخر. مطلوب استقرار المصارف، وهنالك دولا عرفت أزمات أكثر بكثير من غيرها. فالولايات المتحدة مثلا عرفت 12 أزمة مصرفية أساسية منذ 1840 بينما كندا لم تعرف أي أزمة. فما هي الأسباب ولماذا لا يتم اعتماد النظام الكندي كنموذج فاضل للجميع؟
السياسة هي داخل كل نظام المصرفي وتؤثر ليس فقط على عمله وانما خاصة على مستقبله وعلاقاته بالخارج. فالدول لا تختار أنظمتها المصرفية بل تتكون الأنظمة على صورة النظام السياسي والسياسيين وكيفية توزع السلطة بين القوى والمؤسسات. هذا يعني أن الأنظمة المصرفية تكون منذ البداية ضعيفة أو قوية تبعا لأوضاع النظام السياسي وطرق عمله. هنالك أسئلة عدة يجب الاجابة عليها. أولا، لماذا تحصل أزمات في دولة ولا تحصل في أخرى؟ هل تكمن المشكلة في هوية وكفاءة من له الحق في تأسيس مصارف؟ هل أن القوانين المصرفية منحازة نحو الأغنياء؟ لماذا تفشل دول في حماية الملكية ونقصد هنا الودائع مما يحول دون تأسيس قطاع مصرفي قوي ومنيع؟ لماذا تتعثر الحلول للأزمات المصرفية بالرغم من أهميتها وتأثيرها على حياة المواطن وحيوية النظام المالي العام؟
تبعا للتجارب، تتعرض المصارف للافلاس عندما تتهور في اقراضها وبالتالي لا تستطيع استرجاع الأموال من المقترضين. لا شأن للمصارف التجارية في اقراض القطاع العام بل قطاع الأعمال فقط. هذا التصرف يميز بين قطاعات مصرفية محافظة لا تفلس وأخرى متهورة تفلس دوريا. هذا يشكل فارقا أساسيا بين النظامين الأميركي والكندي. الدولة التي عرفت أكبر عدد من الأزمات المصرفية هي الأرجنتين. وجود أزمات ليس هو المعيار الوحيد لوصف النظام بالمريض،
وانما أيضا مؤشر حجم الاقراض المصرفي من الناتج والذي له دلالات كبيرة. بين سنتي 1990 و 2010، بلغت نسبة القروض الخاصة من الناتج 95% في كندا وفقط 19% في المكسيك. هذا يشير الى دور كبير للمصارف الكندية في نمو الاقتصاد كما يشير الى غياب عامل الثقة الضروري للنمو المصرفي المكسيكي. المصارف هي ركيزة أي نظام مالي، لكن ظهور أدوات نقدية جديدة مفيد اذ يجدد عمل الأسواق عبر رفع مخاطرها وربحيتها.
Comments