م. ميشال كلاغاصي *
ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير، ألا وهو الانتخابات الرئاسية الأمريكية، و"العرس الديمقراطي" المفترض لدولةٍ عظمى روجت نفسها سيدة الديمقراطية حول العالم، والتي لأجلها استضافت في ديسمبر/كانون الأول 2021 "قمة الديمقراطية" لمواجهة الأنظمة الاستبدادية، ولمعالجة الفساد ومكافحته، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وذلك لتبرير ماضيها وسلوكها الذي يتناقض مع ادعاءاتها وشعاراتها، ووضعت دول العالم في خانات عرقية وقومية ودينية وإثنية، وصنفتهم ضمن ثلاث فئات، دول ديمقراطية، وأخرى شبه ديمقراطية وثالثة لا ديمقراطية، وعلى ما يبدو بأنها وجدت نفسها مضطرة لغزوها وقتل شعوبها وسرقة ثرواتهم علّهم يتدمقرطون ...
وسيشهد العالم بعد 72 ساعة ولادة رئيس جديد للولايات المتحدة، سواء كان دونالد ترامب أو كامالا هاريس، لكن الأهم هو الذي يمكن حدوثه منذ لحظة إعلان النتائج وصولاً إلى يوم تنصيب الرئيس الجديد في 20 يناير/كانون الثاني 2025، وأية أحداثٍ داخلية قد يشهدها الداخل الأمريكي، خصوصاً وأن الأجواء مشحونة تماماً، ولم يُقصّر الإعلام الأمريكي بالترويج لأحداث شغب وربما لاندلاع حربٍ أهلية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تحمله هذه الفترة من أحداثٍ خارجية قد تصيب المصالح الأمريكية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وخصوصاً في الساحات والميادين التي أشعلتها الولايات المتحدة بنفسها، ومن سيمسك بالدفة الأمريكية خلالها، أهو الرئيس الجديد أم خصمه المهزوم، أو الدولة العميقة المسؤولة أصلاً عن الفوضى الأمريكية الداخلية والخارجية، الذي سيحدث إن فقدت أو تراجعت سيطرة الولايات المتحدة على نفسها، وأيُّ تركةٍ سيحملها الرئيس الجديد على كتفيه ؟.
من دون أدنى شك، سيرث الرئيس الجديد أمةً فاسدة أخلاقياً، منبوذة مالياً، خاوية ثقافياً، وضعيفة عسكرياً، بعدما حصدت العواصف التي زرعتها في الداخل وحول العالم، وباتت غارقة ومتجذرة في العنصرية والتطرف وقيادة الإرهاب والحروب والفساد والجنون، على حساب القيم والحريات والعدالة، والأهم على حساب الديمقراطية التي تدعيها، نتيجة سلوكها واستراتيجياتها التي دمرت الإنسانية في غزة ولبنان وسوريا وعشرات الدول، ونحرت مبادئ ومفاهيم الحرية والعدالة بدعمها وخوضها وقيادتها للعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، وسوريا بعدما احتلت أجزاء واسعة من أرضها وأنشأت فيها "قلعة قاعدة التنف" للتحكم وقيادة التنظيمات الإرهابية التي زرعتها في سوريا والعراق، لتهديد مصير كل من سوريا والعراق ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة وقضيتها العادلة، وتركيا ودول الخليج العربي، وإيران والصين وما ورائها من جهة، وكذلك روسيا والفضاء الأوراسي من جهةٍ أخرى.
من يستطيع الرهان على قدرات الرئيس الجديد لإنتشال الولايات المتحدة من مستنقع الوحل، بالتأكيد ستكون مهمته مستحيلة، ولن يتمكن من وقف الإنهيار المالي للإمبراطورية المفلسة، أو حتى تخفيف صدمة السقوط، والدفع بشكلٍ عكسي نحو أفول الإمبراطورية وعالمها الأحادي، لا بل سيمنح الفرصة لتحالف الدول الساعية نحو العالم متعدد الأقطاب، والذي لن تكون فيه الغلبة والسيطرة للولايات المتحدة وحدها.
في زمنٍ تغيب فيه المعجرات، تفقد الولايات المتحدة فرصة إنقاذها، وستكون ما بعد الإنتخابات ليس كما قبلها، ولن يكون من السهل اتباع المنطق وبأنه ما بعد الإنهيار يأتي الإصلاح والنهوض من جديد، في ظل إختفاء من يشبهون جورج واشنطن، وتكاثر العنصر الأبيض "النوردي" المتطرف الذي يمثله حالياً دونالد ترامب، الذي اّمن به القاتل الإسترالي ديورنت تالانت، وقتل أقرانه المختلفين معه في العرق والعقيدة، وبوجود عشرات من يشبهون قتلة جورج فلويد، وبحضورٍ كثيف لمن يؤيدون السفاح بنيامين نتنياهو ووزرائه المتطرفين وكل من يشبهون الوزير أنتوني بلينكن واّخرون ..
لا يوجد خيارٌ اّخر، وسيبقى الرهان على المعجزات علّها تستطيع "إنقاذ" أميركا، وتساعدها حكومتها الفيدرالية على سداد ديونها، وبقبولها التخلي العالمي عن الدولار، وبترويض وأنسنة المسيطرين على عقلية وجنون البنتاغون وجنرالات الجيش الأمريكي، وبتنظيف البلاد من البيروقراطيين، ووحوش المال، ومنتجي فيروسات الموت، ومؤسسات الجريمة المنظمة والمخدرات، وداعمي الحروب ومموليها من أوكرانيا إلى تايوان، وصولاً إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين المحتلة، والكف عن تهديد واستهداف إيران وشعبها، وبالقيام بتنظيفٍ شامل داخل الولايات المتحدة ، وبتنفيذ إعتقالات جماعية وملاحقات قضائية لقائمة طويلة من المهووسين والخونة والمجرمين الذين أوقعوا الولايات المتحدة في هذا الفخ.
من المهم أن يراقب جيل الشباب الأمريكي ما تفعله بلادهم، والكراهية التي حصدتها، والسمعة السيئة التي فازت بها وستقوم بتوريثها لهم، ويسمع صوتنا، خصوصاً وأن العالم رأى بأم عينه رفضكم وتظاهراتكم الجامعية للتنديد بجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها دولتكم في غزة ولبنان، ورأينا غضبكم ورفضكم للظلم والوحشية والجريمة، عليكم أخذ المبادرة، فأنتم رجال الغد وقادة مناصبه المتنوعة، ومنكم سيكون الرئيس الأمريكي القادم الجديد بعد أعوام، انتفضوا واجعلوا عصركم مختلفاً ولائقاً بكم وبما توخاه العالم في مواقفكم المشرفة، لا تدعوا بلادكم بيد القتلة والمجرمين، فأنتم تستحقون مستقبلاً رائعاً وكما تشتهون وليس كما يشتهي الرئيس الحالي جديداً كان أم بحلةٍ جديدة، أو سيدة ضاحكة رغم سوء أوضاعكم ومستقبل بلادكم الغامض.
لا نبشر بالفوضى ولن نستبق الأمور، لكن مؤشرات التدهور والتقسيم والإنفصال والفوضى في الداخل الأمريكي لا يمكن تجاهلها، ووسائل الإعلام والساسة الأمريكيون يتحدثون عن إحتمالية رفض ما تسمى بلغة الانتخابات "الولايات الزرقاء" الإعتراف بترامب رئيساً حتى لو فاز في الانتخابات، ويهددون بنقل العاصمة إلى كاليفورنيا، في الوقت الذي يهدد أنصار ترامب بحرق البلاد إن فازت هاريس، والمشهد الأهم هو أن أمريكا اليوم تقدم نفسها بدون مساحيق التجميل على مرأى ومسمع العالم كله.
* كاتب وباحث استراتيجي
Comments