bah مجزرة في غرينسبورو - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

مجزرة في غرينسبورو

10/30/2024 - 00:09 AM

For Sale

 

 

خليل الشيخة

 

مررت في إحد شوارع غرين سبورو في ولاية نورث كارولينا الأميركية، وقرأت لائحة تقول أنه هنا وقعت المجزرة، كان الشارع قرب مركز المدينة وخلفه كانت تقطن مجمّعات سكنية مؤلفة من شقق، غالبية الذين يسكنون هناك من فقراء المدينة. الشارع نظيف وفيه بعض الأشجار.

وقعت هذه المجزرة في 3 تشرين ثاني من عام 1979 عندما طلبت منظمة عنصرية، تسمى الكوس كلان ومعها نظيرتها من الحزب النازي الإمريكي، بمظاهرة في ذات المنطقة ضد السود.

في المدينة تألف حزب جديد وانتشر في مدن أخرى تحت مسمى (حزب العمال الشيوعي الأمريكي)، وهذا الحزب انشق عن حزب سابق بسبب خلافات التبعية لموسكو او الصين الشعبية. المؤسسين كانوا تابعين للصين أو كما يطلق عليهم الماويين. وتخللوا إلى مصانع النسيج وغيرها في غرين سبورو وأخذوا يحرضون العمال على تشكيل نقابات. وهنا، في الولايات المتحدة، إذا سمع مسؤول أمريكي بمفردة نقابات، سيعتبرها شتيمة وربما سيتوعد القائل بالجزاء. أما المجتمع الإمريكي فإنه يعتبر من يقول عن نفسه ماركسي أو اشتراكي أو شيوعي، بأنه خائن للقيم الإمريكية وهي بمثابة شتيمة أيضاً، ثم يبدأ بالنظر للشخص من رأسه إلى أخمص قدمه، وربما تحصل طوشة بعد الأخذ والرد.

نظم المظاهرة المضادة ضد الكلان مجموعة صغيرة من ذلك الحزب المكوّن، ثم شدوا معهم غالبية العمال السود الذين يعملون معهم وسكان الشقق من السود بالقرب من مركز المدينة. وكان بعضهم دكاترة في علم الإجتماع والآخر في الفلسفة والتاريخ. مجموعة مثقفة. أما المجموعة الأخرى من الكلان والنازيين، فكانوا من العامة ومن ذو أصول ريفية. وبالمناسبة فإن أكثر الناس عنصرية في الولايات المتحدة هم من العمّال والمزارعين.

هتفت المعارضة ضد النازيين: الموت للنازية.. الموت للكلان… تسقط الإمبريالية…. وشعارات أخرى تثير الغضب للجانب الآخر، وهكذا، دخل الكلان والنازيين بسيارتهم الكبيرة والبيك اب يشتمونهم. كان هؤلاء النازيين والكلان من الفقراء البيض أيضاً، ويبدو ذلك من لباسهم ونوع سياراتهم. ثم نزل نفر منهم من السيارات وبدأوا بإطلاق الرصاص الحي على المجموعة الشيوعية دون تفريق، فأردوا خمسة قتلى وآخرين جرحى. لكن أين شرطة المدينة، كيف غابت عن المشهد! بعد المجزرة أتت سيارات الشرطة بصافراتها المزعجة تعد الضحايا وتغلق الطرقات.

المأساة ليست فقط بالمجزرة التي دفع ثمنها أناس أبرياء، بل بالمحكمة الجائرة التي برأت القتلة من الجريمة تحت مسمى الدفاع عن النفس، رغم أن المجزرة مصّورة بواسطة عدد من محطات التلفزيون المحلية والقاتلين معروفين. حينها قام عدد من المحامين برفع قضية ضد المدينة والبلدية، واستمر الأخذ والرد والمماطلة بها حتى عام 2020 عندما أعتذرت المدينة عن تلك المجزرة، لكن دون محاسبة الجناة. ومجزرة مثل هذه من المفروض أن تسقط ليس رئيس بلدية بل رئيس الدوله بذاته، لأن مظاهرات الطلبة في أوائل السبعينات ضد حرب فيتنام قد غيرت وجهة الحرب كلياً.

عندما قامت الثورة الروسية في الحرب العالمية الأولى وأنسحبت روسيا من الصراع، استبشرت أوروبا وأمريكا خيراً، لأنهم لم يكونوا ميالين لسياسة القيصر، لكن بعد أن تشكّلت خلايا أحزاب شيوعية تابعة للاتحاد السوفيتي، اعتبرتها الدول الغربية أداة طيّعة في يد الاتحاد السوفيتي، فخرجت في تلك الفترة قوانين كثيرة تحد من نشاط الشيوعيين أولها قانون التجسس عام ُ – Espionage Act )1918(. ومضى الزمن وبرز المخلّص هتلر، ثم بدأ حربه ضد أوروبا التي ذلّت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وهضمتها حقها في المستعمرات المنتشرة حول العالم. وكان على أوروبا وأمريكا أن تنسى عدوها اللدود الإتحاد السوفيتي إلى حين، وتتحالف معه ضد خطر هتلر. وعاش الأثنان حياة الوئام وشهر العسل، إلى أن قضي على عنجهية هتلر وبعد أن حولوا ألمانيا إلى كومات من الركام. التحالف والصداقة كانت قويّة، لدرجة منع رئيس وزراء بريطانيا رواية جورج أورول (1984) لحين، لكن الناشر غيّر العنوان الذي كان 1948 حتى لايغضب ستالين.

بعد أن استتبت الأمور، عاد الخلاف وبلغ أشده بين الاتحاد السوفييتي والغرب وأمريكا، خاصة بعد دعم الأحزاب الشيوعية حول العالم من قبل روسيا، وكادت هذه الأحزاب تهدد الأنظمة بالثورة بعد الحرب العالمية. فقد خرجت معظم المجتمعات الأوروبية منهارة إقتصادياً وسياسياً، وهذا ما جعل روزفلت يتدارأ الوضع ويضع ما يسمى (الصفقة المربعة).. ((Square Deal وهذه احتوت لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة على التأمين الإجتماعي لكبار السن وتحديد ساعات العمل ودفع العطل الهامة وتحديد العمر في الوظائف لمنع استغلال الأطفال وغيرها الكثير. في بداية الخمسينات، اقترح السيناتور ماكارثي قوانين للحد من نشاط الشيوعيين، وأعتبر أي شيوعي هو خائن لوطنه ويعمل لصالح دولة أجنبية. بواسطة هذه القوانين جرجروا ودسوا الكثيرين من الناس في السجن، لدرجة أن المحامين الذين كانوا يدافعون عن اليساريين يدسونهم في السجن أيضاً تحت مسمى إزدراء المحكمة، ومن هؤلاء الذين جرجروا، كان شالرلي تشابلن، ليس لأنه شيوعي بل لأن له صديق شيوعي حيث خرج من الولايات المتحدة ولجأ إلى سويسرا لمدة طويلة.

وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي، خرجت قوانين مخففة، أي لم يعودوا يضعون في السجن كل ما هو شيوعي، بل تغاضوا عنهم. من جملة الذين عملوا مع المخابرات ونقش التقارير في رفاقه كان الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغن، عندما كان ممثلاً في هيلوود في أوائل الستينات. علاوة على ذلك، وضعوا ملفات سميكة لكل من جان شتاين باك وإرنست همنغواي بسبب نقدهم للسياسة الإمريكية.

ومن منكم لا يذكر فيلم – ساكو وفانزيتي – وهو من قصة حقيقية لشابين إيطاليين كانا يعملان في مصنع وأتهموا ظلماً بالقتل وحكم عليهما بالإعدام.

نهاية القول، أن حكومات العالم جميعاً كانت تخاف من الشيوعيين ومن نشاطاتهم لما شكّلوا هؤلاء من تهديد ومن حواضن شعبية في بيئات فلاحية وعمالية فقيرة. لذلك كان الجميع يحاول تشويه صورتهم أمام العامة مثل الإلحاد والإباحية وغيرها من مفاهيم تخويف العامة.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment