محفّزات التعليم!

09/04/2024 - 20:43 PM

شركة تصدير برازيلية

 

 

 

ألفة السلامي

 

ما الذي يحفزك على التعلّم؟ هذا السؤال طرحته صحيفة نيويورك تايمز على عينة من الطلاّب في محاولة للتعرّفِ على اتجاهات تفكيرهم للاستفادة من إجاباتهم في تبني المزيد من السياسات المُحفِّزة على التعليم. هناك معضلة كبيرة تعاني منها الدول الغربية كغيرها من دول العالم وهي كيفية علاج مشكلة انصراف الطلبة عن التعليم، لذلك تبحث الآن عن كيفية تحفيزهم للعودة لمقاعد التعليم. وقد تم استلهام هذا السؤال من مقال بقلم جوناثان ماليسيك بعنوان "مفتاح النجاح في التعليم الذي لم يُذكر أبدًا".

يقول مالسيك، الأستاذ بجامعة تكساس في ولاية دالاس الأميركية، إن هذا المفتاح هو "الرغبة والدافع في التعلم"، حيث رأى خلال خبرته في التدريس لأكثر من 20 عامًا أن الطلابَ المنفتحين على المعرفة الجديدة هم فقط من سيتعلمون. فما الذي يدفع الطلاب للانفتاح على التعلّم بينما غيرهم منصرفون عنه؟

نتيجة الاستطلاع تشير إلى أن المعلمين العظماء المُحفِّزين، والفصول التفاعلية، وتحديد أهدافهم الطالب للاهتمام الحقيقي بمجال ما، كلها عوامل محفزة للغاية. وانتقد الطلاب النظام المدرسي لكونه "يركز على النتيجة" ويسحق فضولهم باختبارات روتينية لا نهاية لها، وهو وضع مشابه لتعليمنا هنا في مصر وفي العديد من الدول الأخرى. ولعل الإجابات التي أوردها الطلبة تفيدنا ونحن في استقبال عام دراسي جديد!

من الإجابات التي توقفتُ عندها ما ذكرته إحدى الطالبات حول المعلمين الذين يزرعون حب التعلم في نفوس طلاّبهم. تقول: "اعتدت أن أكون من النوع الذي لا يرغب مطلقًا في طرح الأسئلة خوفًا من أن أبدو ساذجة وبقيت منعزلة حتى أعطاني المعلم المفتاح، وأخبرني أن مجرد طرح سؤال لا يعني أني غبية بل العكس تماما".

وقد تعلمت الطالبة كيف تزيل الخوفُ وتبلور أسئلتها بطريقة جذابة تستحق أن تكون موضوعًا للحوار؛ هذا ما جعلها أكثر انخراطًا في الفصل مع المعلم الذي كان مستمتعًا حقًا بالمواد التي كان يدرسها، وانتقل الاستمتاع تلقائيا لها وللكثيرين من زملائها، حتى فصل التاريخ الذي عادة من يثير ملل التلاميذ أصبح أكثر إثارة وجاذبية لأن معلمها يجعله ممتعًا من خلال إضافة عناصر تتعلق بالعصر الحديث وتوصيلها بطريقة أشبه بالمسرح التفاعلي، له أبطاله النابضون بالحياة.

طالبة أخرى ذكرت أنها اكتشفت "الرغبة في التعلم" من طريق العزف على الآلات الموسيقية، وكيف أنها أحبت عزف الجيتار من أستاذ الموسيقى في المدرسة الإعدادية والذي كوّن فرقة مدرسية تعزف خلال حفلات المدرسة. وكان تعلمها للعزف في البداية كهروب من بقية الموّاد؛ لكن عندما ولد شغفها بالموسيقى أصبح لديها دافع للتحسن في بقية المواد.

طالب آخر ذكر أن حماسه للتعليم بدأ في نادي الفلك الذي أنشأه أستاذ العلوم في الصف الثاني إعدادي، وهذا خلق داخله دافعا لدراسة علوم الفضاء في المستقبل والتركيز على العلوم للتميز.

ألتقطُ عدة أفكار من هذه المناقشة، منها الاستمتاع والحماس وطرد الخوف لطرح الأسئلة خلال التعلّم ومنها أيضا تعلّم العزف والفنون بشكل عام والشغف بعلوم الفضاء كطريقة للتحفيز على التحصيل العلمي؛ وهي أفكار عبقرية تلخّصُ حالة الكثير من التلاميذ والطلبة الذين يتميّزون ليس فقط في نتيجتهم العلمية ولكنْ أيضًا من خلال أنشطة تحفيزية تمهد لنجاح عام في الحياة وتشجيع موهبتهم والتواصل الإيجابي مع المحيط.

من منّا لا يتذكرُ مدرّسًا أثّرَ فيه وفي مسيرته الدراسية بل وفي حياته العملية؟! إن المعلومة التي رسخت في الذهن طوال الحياة مصدرها مدرّسٌ كان يجيدُ فنون التواصل والبحث عن عناصر التحفيز حتى يجذبَ آذان الطلاّب وعقولهم، ومنها تدخل المعلومة في سهولة ويسر. أين نحنُ الآنَ من تلك المفاتيح السحرية التي تفتح الآفاق واسعة أمام الطالب فيحبُّ المعلّمَ ويستمتعُ بالتعليم!

نحن بعيدون كثيرًا عن هذا المفهوم التربوي حيث أصبحَ التعليمُ واجبًا ثقيلاً يكرهه الطلاّبُ ومن قبلهم الأهالي. لم نعد نسمعُ عن شغف المعلِّمِ أو حتى ضميره، إلا نادرًا، وسرعان ما يتحوّلُ أي حديث عن هذه القضية إلى مناقشة ظروف المعلّمين ومرتباتهم المتدنية وكيف أنها تحول دون التجويد وتخرّبُ العملية التعليمية. وسرعان ما يعطي ذلك مبرّرًا للدروس الخصوصية التي نشأت في دول كثيرة وترعرعت لتحسين مستوى المدرسين والأساتذة بدلا من تحسين المستوى التعليمي للطلاّب!

إن المدرسة من المفروض أن تنمّي فضول الطلاب وتجعلهم يشعرون بالإثارة لاكتشاف شيء ما؛ لكن التعليم الآن فقد بصره أو زاغ عن هذا الهدف. ولا يمكن أن يعود البصر للتعليم بدون عيون متفتحة واعية للمعلّمين، حتى نقول من جديد: "قم للمعلّم وأوفه التبجيلا، كاد المُعلّم أن يكون رسولا"!.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment