صدمة الأميرة ولعنة السوشيال ميديا!

07/23/2024 - 15:19 PM

شركة تصدير برازيلية

 

 

 

بقلم: ألفة السلامي

 

أتابع حسابها منذ سنوات وأشعر في كل منشور أنها مختلفة، جريئة ومستقلة، وتتصرف بتلقائية لم نتعود عليها في تقاليد العائلات الملكية.

هي الشيخة مهرة ابنة محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس وزراء الإمارات وحاكم دبي، التي أعلنت طلاقها على وسائل التواصل الاجتماعي في خطوة نادرة لأميرة. قضايا الزواج أو الطلاق وغيرها من القصص الشخصية عادة لا أتطرق لها في مقالاتي، لكونها تعكس حالة مشتبكة لن يستفيد منها القراء بشيء.

لكن هذه المرة، شدّني هذا السلوك لأنه يعكس مؤشرًا على تغير اجتماعي داخل مجتمع معروف عنه أنه محافظ، خاصة ذلك التمرد لدى المرأة وانتفاضتها لكرامتها، دون أن تقيدها تقاليد الأسرة الحاكمة. ومباشرة جاءت بعض التعليقات قاسية في حق الأميرة.

أما اهتمام وسائل الإعلام الغربية بالخبر فيعكس سوء الفهم والسطحية في التأويل المُخل، حيث اتجهت التعليقات ليس إلى طلاق الأميرة باعتبارها شخصية شهيرة لكن إلى قولها "أطلّقك" ثلاث مرات، واعتبرت أنها توحي بممارسة الطلاق الثلاثي، الذي يمارسه عادة الرجل في بعض المجتمعات المسلمة عندما يطلق زوجته طلقة بائنة ثلاثية لا رجعة فيها.

ورددت وسائل الإعلام ما كتبته الشيخة مهرة، البالغة من العمر الثلاثين على موقع انستجرام، يوم الأربعاء الماضي، عن نيتها ترك زوجها وهو أيضًا أحد أفراد العائلة المالكة، عندما قالت بالحرف: "بهذا أعلن طلاقنا؛ أطلقك، أطلقك، أطلقك؛ زوجتك السابقة". والفهم الخاطئ من طرف الغرب ليس جديدًا علينا وهم في ذلك "عايزين جنازة ويشبعوا فيها لطم"، كما يقول المثل المصري.

من جانبي، ظننت للوهلة الأولى أن حسابها قد تم اختراقه، وتابعته طوال اليوم، ظل كل من المنشور والحساب نشيطيْن لأكثر من يوم منذ ظهور المنشور، وبحثت عن بيان أو رد فعل من المكتب الإعلامي للشيخة مهرة، دون طائل. كما لم أجد أي تعليق للزوج الشيخ مانع عبر حسابه على انستجرام. وأعتقد أن هذا الصمت وراء رواج المنشور لدرجة تحول الخبر إلى "تريند" على محرك البحث جوجل. وكان بالإمكان إصدار بيان فوري وهو التصرف الأمثل في عالم افتراضي مجنون، لا يبحث إلا عن "اللطم" و"الجنازات"!

أعود للشيخة مهرة، تزوجت من الشيخ مانع بن محمد آل مكتوم العام الماضي في حفل باهر ظهرت صوره في مجلات اجتماعية كثيرة، وطالعت تقارير ركزت على تقاليد الزواج الإماراتي وكانت مناسبة للحديث أيضًا على الدولة ونهضتها والعائلة الحاكمة وأنشطتها الخيرية ومشاركة أفراد الأسرة من الجيل الثاني في دعم العمل الأهلي.

ثم نُشرت بعض الصور عن الزوجين والابنة التي رزقا بها قبل أقل من (ثلاثة) أشهر. لكنْ تمت إزالة صور الزوجين من حساباتهما على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر خبر الطلاق. المشكلة التي صعبت الأمر على العائلة، ولا سيما الأهل القريبين من الموقف، أن المنشور تطرق إلى أن الزوج لم يكن مخلصًا للشيخة مهرة، خاصة قولها إنه "منشغل برفاق آخرين". طبعا، هذه النوعية من المشكلات قد تبدو عادية داخل المجتمع، أي مجتمع، فهناك من يخلص ومن لا يخلص، وقد لا يلتفت إلى هذا الأمر كثيرون، كما حدث مع الشيخة مهرة؛ هنا كل وسائل الإعلام العالمية تحدثت عن الشيخ "الخائن" وليس فقط "المهمل".

والقضية هنا أن الشيخة مهرة وزوجها وعائلتيهما في عيون الرأي العام هم قدوة ونموذج لبقية أفراد الشعب. وهي كسرت هذه الصورة النمطية، وأصبحت مثارًا للنميمة في المجالس، وخرجت عن العرف الملكي بهذا التصرف وكان بالإمكان إنهاء الزواج في صمت وترك دور للعائلة تقوم به تجاه الزوجين وتمنع بذلك فضائح لا لزوم لها. لكنً من جهة أخرى، يمكن اعتبار أن المشكلة عادية ويحدث مثلها يوميًا داخل العائلات، بما في ذلك العائلات الملكية الذين هم بشر وليسوا ملائكة.

ولنعترف أن هذه من أضرار وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى مساحة لنشر الحياة الخاصة بحلوها ومرّها، خاصة الأجيال الشابة التي تستخدمها استخدامًا ذو حدين. ومثلما تحتفي بفعاليات تشارك فيها الشيخة مهرة وتتصدر الأخبار وتزين أغلفة المجلات المحلية والإقليمية، مثلما تبرز خبر طلاقها وتكون مناسبة للحديث عن العائلة المحافظة وتصرفاتها تجاه أبنائها، لنقرأ بعد ذلك تعليقات وتأويلات على كل لون، كل يدلي بدلوه من قرابة نصف مليون متابع لحساب الأميرة مهرة على انستجرام. وتلك هي ضريبة الشهرة؛ يضاف إلى ذلك التغير الاجتماعي والثقافي الذي لحق أيضًا بالعائلة المالكة وشبابها وشاباتها، فأصبحنا مثلًا نلاحظ نساء العائلة وأنشطتهن وكذلك آراءهن واستقلاليتهن في القرار بما يوحي بسلوكيات متمردة على تقاليد العائلة المالكة، وهي في الحقيقة سلوكيات أقرب للطبيعية. وقد رأينا ذلك كثيرًا لدى أفراد العائلة المالكة في بريطانيا والتصادم كذلك بين الأجيال.

ولا يمكن أن نغفل عن خلفية الشيخة مهرة حيث أن والدتها هي زوي غريغوراكوس، اليونانية الأصل، وهذا من شأنه أن يمنحها تربية ذات مشارب عربية وغربية، ويبلور شخصية متميزة وقوية كامرأة متعلمة في أكبر الجامعات البريطانية وواعية بحقوقها وواجباتها، تنشط في المجتمع المدني وتشارك في المبادرات الإنسانية وتمارس هواياتها بحرية، مثل ركوب الخيل، وتنشر باستمرار صورًا لمشاركاتها في الأنشطة العامة.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment