bah الثقة ومصير العولمة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الثقة ومصير العولمة

06/19/2024 - 07:40 AM

A

 

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

 

من الصعب في الاقتصاد المتغير اعتماد سياسات جامدة. المبادئ الاقتصادية، وان تكن مهمة، لا يمكن التمسك بها في كل الأوقات والظروف كي لا تضر النتائج التطبيقية المواطن والشركة. بين المبادئ الأساسية خياران، اعتماد سياسات تسمح بتدخل القطاع العام في الاقتصاد، أو على العكس ترك الاقتصاد يدور من تلقاء نفسه والتفرج عليه. نتذكر هنا ما قاله الرئيس ريغان سنة 1980 قبل بدء عهده الأول "لا يمكن للقطاع العام أن يقدم حلولا للمواطن، فهو المشكلة وليس الحل".

في رأي الرئيس الأميركي السابق، يجب تقليص حجم ودور القطاع العام في الاقتصاد اذ أنه مصدر المشاكل. واقعيا، من الصعب الفصل كليا بين المبدأين المذكورين اذ تضطر كل الحكومات الى تعديل مناهجها الاقتصادية واعتماد الحلول المناسبة في ظروف متغيرة. المبادئ مهمة لكن الحلول بالنسبة للمواطن تبقى أهم بكثير. حتى الرئيس ريغان اضطر للتدخل مرارا في الاقتصاد لانقاذ شركات كبيرة ولمواجهة المعطيات السلبية بينها البطالة.

هنالك تحركات سياسية تريد الاطاحة بالعولمة، اذ اتهم الانفتاح الكبير بالتسبب بالمشاكل العالمية المعروفة كالتلوث والتغير المناخي والديون والهجرة والنزوح والفقر. من المستحيل الغاء العولمة كليا والعودة الى زمن الانغلاق الاقتصادي المضر، اذ لا مصلحة ولا قدرة للعالم على ذلك. موضوعيا لم يكن ممكنا لأسيا والصين تحديدا ان تنتعشا من دون عولمة. لم يكن ممكنا تطوير التكنولوجيا الحديثة من ذكاء اصطناعي وغيره لو لم يكن هنالك عولمة فعالة.

المشكلة الدولية الحالية ليست مشكلة عولمة، وانما مشكلة ثقة بين الأطراف. لا يمكن بناء اقتصادات مشتركة من دون ثقة متبادلة. لم يكن لأوروبا أن تبني وحدتها من دون ثقة متعددة الاتجاهات والمواضيع. عندما فقدت الثقة البريطانية بالوحدة الأوروبية، خرجت بريطانيا منها. هنا يكمن دور كبير للمؤسسات الدولية بدأ من الأمم المتحدة كي تجمع وتسهل التواصل وتسعى لفك النزاعات قبل أن تكبر. المشكلة ليست في العولمة وانما في مسيرة العولمة التي ضربت ثقة الأطراف فيما بينهم. ها نحن نعود سياسيا بعد الانتخابات الأوروبية الى تقييد الانفتاح وهذا مضر.

تواجه أميركا اليوم الصين ليس لأنها ليبيرالية ولأن الصين تعتمد النظام الشيوعي، وانما بسبب خوف الجبارين من بعضهما البعض. في العقود الماضية، كانت الولايات المتحدة تساير الصين الى أقصى الحدود تجنبا لانحيازها الى الاتحاد السوفياتي وثم الى روسيا، ولأنها كانت تعتقد أن الاعتماد عليها في الاقتصاد يفيدها كما يفيد الاقتصاد الدولي. أما الآن، هنالك تغيير كبير في السياسة الأميركية التي تضع الصين في خانة "العدو" الاقتصادي الأول الذي يجب "أضعافه".

تنظر الولايات المتحدة اليوم الى الصين من ناحية حماية أمنها الوطني وليس كحليف أو متعاون اقتصادي كالسابق. كانت التجارة والمال والتكنولوجيا الركائز التي بنيت عليها العلاقات الثنائية. أما اليوم فلم تعد كذلك، وهنالك توتر في العلاقات التجارية خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتطورة. تظهر كل الاجتماعات عمق الخلاف بين الجبارين.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment