بقلم الدكتور لويس حبيقة
يرغب المتخصصون الاجتماعيون في المقارنة بين الأمس واليوم محاولين قراءة المستقبل مما يسهل عملهم. فهل يعيد التاريخ نفسه دائمًا وفي كل شيء؟ هنالك من يقارن بين أوضاع اليوم والسبعينات بسبب الطاقة وأسعارها، وبالتالي يقارن بين تضخم الأمس واليوم. المقارنة جائزة لكن الأوضاع مختلفة علما أن بعض مظاهرها مشابه، كما بالنسبة للسياسات المعتمدة وخاصة النقدية. هنالك موضوع المناخ الذي لم يكن معروفا سابقا وهنالك تغيير كبير في مصادر الطاقة ما زال يعمل على تعميمها دوليا. لم تعد الطاقة عالميا فقط نفطية بل أصبحت شمسية ومائية ونووية وغيرها، وهذا يوسع الشرخ التقني كما المالي. المطلوب اليوم ترشيد استهلاك كل الطاقات لأن الحاجة تبقى أكثر بكثير مما هو متوافر بسهولة للمواطن وقطاع الأعمال. عقدت حرب غزة سلامة الأسواق وهنالك عجز خاصة من قبل الأمم المتحدة في توجيه الأمور ايجابا.
ارتفعت أسعار النفط في السبعينات بسبب السياسة ومقاطعة العارضين للدول المستهلكة الأساسية شاهدنا خلالها اصطفاف السيارات أمام محطات الوقود لتعبئة الخزانات بأسعار مرتفعة لا تبررها الأسواق الحرة. أما اليوم فالموضوع سياسي أيضا، لكنه ناتج عن حرب روسية في أوكرانيا وما ينتج عنها من مشاكل عرض ليس فقط في الطاقة وانما أيضا في الحبوب والغذاء بشكل عام. تكمن الخطورة الايضافية في وصول المواجهة السياسية الى صراع مباشر بين الدول الكبرى أي بين أميركا وروسيا كما بين أميركا والصين، وان تكن بشكل صامت لكنها قابلة للاشتعال. ما يميز أوضاع اليوم عن السبعينات أمور متعددة منها الكورونا وما تبعها من أمراض وموت قبل اكتشاف اللقاح وحتى ما بعده. أثرت الكورونا على جانبي السوق بوضوح.
تأثر الطلب في حجمه وتوزعه اذ توسع الانفاق على الصحة والمساعدات الاجتماعية وخف عن الاستهلاك العادي بسبب الاقفال المتعدد الأوجه. تأثر العرض بسبب انخفاض انتاج سلع مهمة عديدة وانتقال المصانع الى انتاج ما يرتبط بالصحة. تأثر قطاع النقل مما عرقل وصول السلع الى من طلبها. تأثرت سلاسل الامداد وشاهدنا البواخر تنتظر في المرافئ الكبرى دون أن تفرغ. حصل انتقال كبير لليد العاملة من أماكن استهلاكية عادية كالفنادق والمطاعم الى قطاعات أخرى صناعية وزراعية. ها هي الأمور تعود تدريجيا اليوم الى سابق عهدها، لكن سرعة ونوعية تطور الوقائع من الناحيتين الحياتية والتقنية ستسهلان العودة أم تعقدانها.
انتقل دور الصين في الاقتصاد العالمي من محرك أساسي الى وضع صعب تباطأ خلاله النمو بسبب الاقفال الكوروني وعدم قدرة الصين على تسويق سلعها كالسابق في الاقتصادات الغربية. ينتقل الاقتصاد الصيني بسرعة من وضع متفوق الى عادي ساهمت سياسة الطفل الواحد في جعله قاسيا. الخروج من تلك السياسات ليس سهلا لأن الشعب الصيني تطور ولم يعد يقبل بالعيش كما كان في السبعينات. لا ننكر تأثير أوضاع "هونغ كونغ" و"تايوان" على سلطة القرار الصيني واضطراره لنقل المواجهة مع الغرب وأميركا الى حالة مباشرة. يعود الاقتصاد الصيني الى تحقيق نمو مهم لكن لا يمكن مقارنته بالسبعينات.
Comments