وجه المنطقة يتغير

09/16/2021 - 12:52 PM

Nanour

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

 

هنالك تطورات جديدة تغير الأوضاع في المنطقة وتترك أثارها العميقة في كل الدول وخاصة في سوريا حيث دمرت الحرب المستمرة منذ 2011 معظم خيراتها ومواردها المادية كما الروحية والمعنوية والبشرية. هنالك تأثيرات كبرى تغير وجه المنطقة يمكن ايجازها كالآتي:

أولا: وصول الرئيس بايدن الى الحكم في أميركا والذي يفكر بطريقة مختلفة جدا عن سابقه وينفذ أيضا بعقلانية ومنطق لم نشهدهما في السنوات الأربعة السابقة. من الأمور التي ميزته هي مثلا طريقة تعاطيه مع الكورونا في التلقيح والمعالجات. اهتمامه بالبيئة لا جدال حوله وتعيينه لجون كيري كممثل له في اجتمعات البيئة تدل على ذلك. أما السياسات الداخلية فهي مختلفة بدأ من مشروع تأهيل البنية التحتية وقوانين الهجرة وغيرها وجميعها تشير الى عودة أميركا الى العالم في التعاون والقيادة. لا شك أن بايدن يتعامل مع المنطقة العربية بطريقة مختلفة وستظهر معالمها أكثر فأكثر قريبا. طبعا لن يتمكن من الغاء قرارات ترامب كتلك المتعلقة بالقدس، لكنه سيحاول تصحيح أو تخفيف الأخطاء العديدة المؤسفة.

ثانيا: أفغانستان، أي ما جرى ويجري حولها يدلان على تغيير كبير في السياسة الأميركية تجاه الدول العربية والأسيوية، خاصة تلك التي واجهت "القاعدة" و"داعش" وغيرها من المجموعات المتطرفة. طبعا ترامب وقع اتفاق الانسحاب مع "طالبان"، لكن من نفذ هو بايدن وان شاب عملية الانسحاب أخطأ عديدة. من كان يتوقع أن ينهار الحكم ألأفغاني في ساعات قليلة وتسقط كابول في أيدي "طالبان". الفساد والفوضى وعدم الجدية طبعت جميعها الحكم الأفغاني السابق، ولا جدوى من البقاء الغربي دون حدود زمني محدد. الانسحاب من أفغانستان سيعيد تحديد السياسة الأميركية تجاه الدول الأسوية والعربية. سيكون مختلفا أي سيعتمد على تحالفات تصمد في وجه التحديات وليس على أنظمة ورقية تسقط عند أول هبة ريح. الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيعزز وضع الدول العربية باتجاه اتفاقيات جديدة متعددة الأطراف.

ثالثا: العلاقات اللبنانية السورية المتغيرة حديثا بفضل الغاز تحديدا والطاقة عموما، والتي لم تكن لتحصل لولا بعض التغيير في السياسة الأميركية. هذا التغيير فرضته الحاجة اللبنانية الى الطاقة والتي وصلت الى حدود خطرة. لا يمكن لأي اقتصاد بل لأي مجتمع أن يحيا ويتطور ويستمر من دون امدادات مستمرة في الطاقة. الأوضاع اللبنانية المنهارة فرضت تقاربا بين الأميركيين والسوريين بدأ خجولا وسيستمر لأن المصالح تقضي بذلك. من المؤشرات المهمة المحادثات الوزارية الرباعية الأخيرة بشأن الطاقة مع مصر والأردن والتي لم تكن لتحصل من دون الضؤ الأخضر الأميركي. البداية من الطاقة وثم الى الاقتصاد والسياسة لجميع دول المنطقة.

أما تحديات الوضع السوري تحديدا، فهي كبيرة جدا ولم يجر احتوائها بعد لشمولها المصالح الخارجية الاقليمية والدولية:

أولا: في الاقتصاد وهو المهم جدا وعبر التاريخ انتقلت سوريا من أنظمة ليبيرالية الى أخرى اشتراكية وعودة الى الليبيرالية وجميعها بأشكال خاصة تحمل المزيج من الأفكار الحرة والموجهة. من المزايا المهمة تاريخيا هي انشاء المصرف المركزي السوري في سنة 1962 وذلك قبل وصول حزب البعث الى الحكم في سنة 1963. لكن بالرغم من السياسات اللييرالية للدولة قبل البعث، كان هنالك دائما دورا مميزا اجتماعيا للقطاع العام في مساعدة الفقراء وتوزيع التنمية على المناطق بدأ من الزراعة الى كافة الخدمات الاجتماعية من صحة وتربية وغيرهما. ساهمت سياسات الاصلاح الزراعي في زيادة انتاج الحبوب بالرغم من الشح في الري. كان دائما مطلوبا من القطاع العام دورا تخطيطيا وليس دورا متفرجا كما حصل في بعض الدول المجاورة. كل هذا مع احترام المبادرات الفردية التي وان لم تزدهر كثيرا، بقيت حرة وعملت بهدؤ دون أن تزدهر وتتطور كما حصل في لبنان.

أما سياسات الاقتصاد الموجه والتأميمات الصناعية والمصرفية وغيرها التي حصلت خاصة في فترة 1963 1966، ساهمت في دفع العديد من أصحاب رؤوس الأموال والأدمغة الى الخارج والى لبنان تحديدا. لا شك أن نتائج حرب 1967 كانت مدمرة خاصة معنويا وأضافت الى المشاكل الاقتصادية عمقا كبيرا وجرحا نزف بقوة. وصول الرئيس حافظ الأسد الى الحكم في سنة 1970 وثم حرب 1973 وعودة بعض رؤوس الأموال والمساعدات والهبات اعادت جميعها بعض الاعتبار الى المواقف العربية ورفعت المعنويات مما ساهم في تنشيط النمو. في سنة 2008، بلغ نمو الناتج المحلي الاجمالي السوري 4,5% وثم 5,9% في 2009 وجميعها نسب محترمة لدولة تقع في منتصف التحديات الاقليمية وربما الدولية. بدأ من 2011، أصبحت نسب النمو سلبية جدا ويمكن ان تصبح ايجابية بدأ من 2022 اذا استمرت الأوضاع الداخلية والاقليمية هادئة.

ثانيا: الدور الاقليمي ظهر جليا في الدخول الى لبنان في سنة 1976 والخروج منه في 2005 وفي أخذ مواقف اقليمية حادة في الحرب العراقية الايرانية كما في كافة حروب المنطقة. انخفضت المساعدات وخاصة العربية، حيث يمكن وصف فترة 1979 1986 بالانهيار المالي الكبير. دفع ذلك الى تغيير العديد من القوانين واصدار أخرى كالقانون 10 لسنة 1991 الذي شجع الاستثمارات المترافقة مع تحرير اقتصادي واضح. كما أن مؤتمر مدريد في أواخر 1991 فتح الأجواء السياسية وأعطى انطباعا عن امكانية الوصول الى سلام اقليمي شامل وكامل. تحسن الاقتصاد لكن ذلك لم يكف للاستمرار وتعميم التنمية. وقع الركود في 1999 لأسباب داخلية وخارجية.

ثالثا:  في الدور الدولي، لا شك أن الحرب في سوريا شاركت فيها بشكل مباشر أوغير مباشر دول ومجموعات أهمها الجيش الروسي الذي أتى الى اللاذقية في 3092015 وهو الوجود العسكري الروسي الأول خارج الاتحاد السوفياتي السابق منذ 1979، أي منذ احتلال أفغانستان. هنالك مجموعات اقليمية عديدة متواجدة في الداخل من ايرانية ولبنانية وغيرها ولا خلاص لسوريا الا بانسحابها جميعها كي تستطيع سوريا اعادة بناء نفسها.

يعتمد عودة النمو الاقتصادي السوري كما اعادة البناء بعد الدمار الكبير ليس فقط على تحقيق الهدؤ السياسي والأمني وانما أيضا على تحقيق اصلاحات أهمها في تحديث الادارة ومحاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين. المطلوب الاستمرار في تحرير الاقتصاد وفتحه أمام المستثمرين ورؤوس الأموال حتى في هذه الظروف السوداء. بعد حل مشكلة اللاجئين، لا بد من الاهتمام بالعاطلين عن العمل وهذا لن يحدث الا بعد أن يكبر الاقتصاد مجددا. الطريق طويلة وصعبة لكن الأمل يبقى كبيرا للبنان وسوريا ولكل الدول العربية.

 

 

 

*الكتابات والآراء والمقابلات والبيانات والاعلانات المنشورة في اقسام المقالات والاقتصاد والأخبار لا تعبّر بالضرورة ابداً عن رأي ادارة التحرير في صحيفة بيروت تايمز، وهي غير مسؤولة عن أي نص واو مضمونه. وإنما تعبّر عن رأي الكتاب والمعلنين حصراً.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment