متى عقدت السُبحة مع رفيق الحريري؟

09/11/2021 - 10:05 AM

وائل كفوري

 

 

الدكتور نسيم الخوري

 

أستطيع المجازفة بالقول بأنّ البشر بأفكارهم ومواقفهم نوعان: نوع سريع الهشاشة والفساد والتحلل محكوم بالتردد وبتغيير المواقف والقناعات، وهؤلاء يشابهون في سلوكهم أصنافاً معاصرة مستوردة شبيهة بالحليب والنسكافيه وغيرها من المواد السريعة الذوبان ومصابون بالعصبية التي لا مبرّر لها وانتفاخ الوجوه والحرارة الملتهبة كما أجهزة المايكروويف التي تغزو مطابخ البشر... الخ من المشتقات التي تغزو حياتنا على أكثر من صعيد ومعنى، وأكثرها تعبيراً أجهزة المحمول التي تجعل حامله يشعر للحظة بأنّه يحمل العالم بين يديه بل يحكم العالم  بحرية مطلقة في الكتابة والتعبير. وهناك نوع آخر محكوم بالعقل وهو صلب ثابت لا يفسده في الأرض وفي القيادة والريادة  أمر فلا يتحول ولا يتبدل في فكره ومواقفه المسكونة  بمرونةٍ واسعة وحكم راقية اكتسبها ربما من أرضه ولونه وقيمه وكرامته وثقته بتاريخه وبنفسه وشعبه ومنعته ومستقبل بلاده. 

بهذا المعنى، أراني، مطبوعاً بين أصحاب الأفعال النادرة وردود الأفعال المتدفّقة في لبنان، أغامر بتصنيف الزعماء والحكّام والجماعات والدول، بالتالي، إلى فصيلتين: فصيلة العظام والهياكل الصلبة التي تكتسي الفصائل الأخرى المترهّلة حاملةً قناطير اللحوم والدهون والأدران. تعيش الأولى مئات ألوف السنين وعبرها يقرأ علماء الجيولوجيا والآثار سمات الحضارة ومدى حضورها في التاريخ وتطور الشعوب والأوطان، مقابل الفصائل الثانية التي لا حضور لها فاعلاً في البناء، ولهذا فهي قد تنتن بعد ساعات ، لتفسد وتطمر في التراب.‏  

أراني أوّلاً مشاطراً الحكّام والقرّاء متعة المقارنة بين النوعين والفصيلتين بهدف تحصين مقالي من الإشاحة أو الإشارة أليه بإصبع في مقارنة بين بيروت ودبي قافزاً بلمحٍ نحو التفكير، ثانياً، بواقعنا العربي المعقّد الذي أفتح له...... نقاطاً أو فراغاً ليملأها القاريء بالصفات المناسبة. 

ضجّت وسائل التواصل الإجتماعي في لبنان، بقصّة لحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم ، وردت في كتابه:" قصّتي...50 قصّة في خمسين عاماً" (2018)، ومنها: 

"ذكرياتي الأولى مع بيروت كانت من بدايات حياتي و أنا صغير؛ و أنا القادم من صحراء دبي، من بيوتها الطينية، من شوارعها الترابية، من أسواقها المبنيّة من سعف النخيل. سافرتُ مع إخوتي إلى بيروت. كان لا بدَّ من المرور بها للوصول إلى لندن. أذهلتني صغيراً، و عشقتُها يافعاً، و حزنتُ عليها كبيراً. 

كانت شوارعها النظيفة، وحاراتها الجميلة،وأسواقها الحديثة في بداية الستينات مصدر إلهام لي. وحلم تردّد في ذهني أن تكون دبي كبيروت يوماً ما... لكن للأسف، لبنان تم تفتيته و تقسيمه على مقاسات طائفية ومذهبية، فلم تعُد بيروت هي بيروت، وأصبح لبنان غير لبنان...".  

زرت دبي في ال2008، بدعوةٍ رسميّة لمحاضرة في فندق البالميه حول الإعلام العربي وثقافة التعامل مع صورالحروب وذلك بعد الحرب على غزّة. يومها عقدت السبحة تماماً مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأدركت معاني أن تكون دبي وقريتها الإعلامية حلماً مقيماً في رأس الحريري مذ أن كانت تجمعنا باريس في منشورات العالم العربي وغيرها. 

يكفيني إيراد هذه اللمح المعبّرة، مُعفياً نفسي اليوم من إدمان الكتابة في مآسي لبنان وبيروت وتعرية المسؤولين، وقد صار للبنان حكومة بعد انتظار 13 دهراً، لكنّ الناس هناك يحلمون بكيفيىة تفكيك منظومات الطغيان. فعلاً، أصبح لبنان غير لبنان. سلاماً على أبنائنا في دبي وعواصم العالم وأرصفته. 

قد يتحسّس كل منّا، مهما كانت منزلته، فصيلته ونوعه بسرعة ويحكم عليها سرّاً. يكفيه أن يقرأ ويزين أفكاره وقناعاته ومواقفه حيال وطنه وحكّامه والسياسات والأوطان العربية والمفاهيم القومية المنسيّة ليكتشف نفسه والحقائق من حوله لأن كثراً يخجلون بل لا يجرأون على التنزّه في ذواتهم الحقيقية.  

أخرج من هذه الإستهلاليّات خاتماً بالحبر الأسود، عن مدى التوق للبياض البادي في الآفاق، نحو أحوالٍ جديدة تعيد ربط حزمة العرب، وتطرح الأسئلة العالية الحكيمة عن كيفية التنقيب الاستراتيجي عن تجديد تلك المواءمة ومباركتها كي لا أقول الوحدة القديمة في الأشكال والمضامين التي تبدو أكثر من ضرورة انسانية وطبيعية، وخصوصا بعد سنوات من اشتعالات "الربيع العربي" وخرائبه وتداعياته القاسية وفصائله المتنوعة المستوردة والمستمرة باشكال دموية يومية تتقدّم نشرات الأخبار. 

 قد ينزعج قارىء أو مسؤول تساوره الحيرة والإحباط أمام بعث أحلام  معقدة بالنسبة للبعض بل مستحيلة معتبرا أن الوحدة العربية صارت في دائرة الأمل الضعيف، لكنّها أكثر من فكرة ورغبة، عندما نتطلّع إلى المجموعة الأوروبية،يبدو تفقد الأوطان لبعضها بعضاً ومحاولات اعادة التآلف في ما بينها أكثر من ثمينة ومطلوبة في مثلّثٍ عربي تاريخي لا يمتلك من هم في زواياه لغة الضاد وتفاهم الأجداد. 

 

 

 

 

 

*الكتابات والآراء والمقابلات والبيانات والاعلانات المنشورة في اقسام المقالات والاقتصاد والأخبار لا تعبّر بالضرورة ابداً عن رأي ادارة التحرير في صحيفة بيروت تايمز، وهي غير مسؤولة عن أي نص واو مضمونه. وإنما تعبّر عن رأي الكتاب والمعلنين حصراً.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment