أين يقع الشرق الأوسط؟

08/14/2021 - 12:42 PM

Fadia Beauty Salon

 

 

 

نسيم الخوري

 

هو السؤال الصعب. ما المقصود اليوم بـ “الشرق الأوسط" رقعة الاختلاط المُعقّد بين الشرق والغرب والشمال والجنوب بعد موت العالم الثالث ويقظة الأديان في هويّات الدول والكوكبيّة واهتزاز مفاهيم العظمة؟

أين صارت حدوده ومن هي شعوبه وكيف ومن يقدر على جمعها أو تشتيتها؟

أين نقاطه الباقية التي تضبط مساحاته؟

يبدو هذا الشرق الأوسط ضائعاً في التحوّلات الكبرى، بما جعله مصطلحاً كثيف الإبهام. لم يكن مستقراً أبداً بالأمس ولا اليوم ولن يستقرّ في المستقبل، لا في التاريخ ولا في الجغرافيا، وكأنّه الوجهة لعدم الاستقرار. لن نعثر عليه في استراتيجيات عقول القادة، ولا في المفهومية العربية والإسلامية، ولا حتى في أبعاده وثرواته وخرائطه الجغرافية المتقلّبة الألوان والتداعيات الأبدية فوق رقعة من الجغرافية الآسيوية-الأفريقية.

تستدعي هذه الأسئلة، التفكير بملامح المستقبل فقط لا أكثر. وأعترف بأنّ الجواب زاد تعقيداً ويتأرجح لغوياً بين الأفعال الماضية الناقصة أعني كان وأخواتها حيث تُصبح "كان" رمز الماضي العريق شقيقةَ "أصبح" رمز المستقبل السحيق.

لنتذكر كان الماضي    

  1. كان يغطي الشرق الأوسط، عبر مفهومه الواسع تاريخياً، مساحة شاسعة تصل الى ثمانية ملايين كلم2، تمتد من مصر حتى افغانستان شرقاً، وفوقها يتوزع ستة عشر بلداً عربياً واسلامياً تتفاوت في اعداد سكانها، فبينما نجد بضع مئات من ألوف السكان يؤلفون دولاً مثل قطر والبحرين، يصل عدد السكان في بعضها الآخر الى حدود المئة مليون مثل مصر وإيران. لطالما اعتُبرت المساحة بساطاً "لموزاييك" شديد التنوع من الأمم  والإتنيّات والمذاهب، ومحط أنظار القوى والدول الكبرى الأمر الذي راكم فوقها تواريخ دموية ومُعقّدة وحافلة بالرفض والاحتجاجات والثورات لشعوب أقلقتها مشاريع التقسيمات والتجزئة والتفكير. تُشابه هذه الرقعة الجغرافية الواسعة رقع الـ بازل puzzle التي يلهو بها أولادنا وأحفادنا تحفيزاً لتنمية انتباههم وذكائهم. وهنا قصّة: شاركت في اجتماعٍ عسكري اتُّخذ فيه قرار السماح بجعل خارطة بلدٍ عربي لعبة بازل. أجهضت القرار مشيراً أنّ فكرة البازل تعود ليهودي بولوني الأصل، وتصبح الجغرافية الوطنية بهذا المعنى دمىً سهلة التفكيك وإعادة التركيب بين أصابع الناشئة كما بين الدول العظمى منذ فجر التاريخ.

ولأننا في قلب مرحلة إعادة التركيب التي يتقنها صغارنا وصغار العالم على مستوى اللعبة، ولا يتقنها سوى كبار الأمم، يمكننا أن "نعلّم" فوق خارطة هذه الرقعة جزءاً تركياً -ايرانياً- أفغانستانياً وهلالاً خصيباً وشبه جزيرة عربية تُمسك بها مصر في شرقي أفريقيا، وكلها دول وشعوب تتفاعل وتفعل في الحضارة منذ قِدَم الزمان. جعلت هذه البقع الاربع المميزة بتنوعها والتي يعسر خلطها أو نسفها من الشرق الأوسط منطقة أبدية مثقلة بأحداث ضخمة منذ القرن السابع قبل الميلاد.

وقبل ان تتقدم تلك المساحة مهداً للديانات التوحيدية الثلاث، قامت في أرجائها الامبراطوريات الاولى لحضارات ما بين النهرين بين القرنين الرابع والثاني ق.م حيث صيغت تلك الحضارات بتلاقي مجموعة كبرى من ثقافات السومريين والساميين والحيثيين والحوريين، أُضيف اليها ثقافة النيل وخصوصاً بعد توحّد مصر الفرعونية منذ الألف الثالث ق.م الى الامبراطورية الاشورية التي ارست معالمها الحضارية في خلال الألف الأول قبل المسيح. وترسخ بذلك النيل والفرات رمزين تنبع منهما الثقافات والحضارات، ومنهما نهلت شعوب وحضارات موزعة فوق الكرة ثروات تيسّر إلى المعارف والأسرار والثقافات.

  1. أصبح "الشرق الأوسط" ومقابلها باللغة الانكليزية "الميدل ايست" معرّبة إلى "الشرق الأوسط الكبير" أو "الأكبر" و"الواسع" و"الأوسع" و"الموسع" كما نقرأ في التسميات الدولية المستجدة والمتجدّدة، مروراً "بالشرق الأدنى" " أو "المتوسطية الأوروبية" Moyen orient وفقاً للتسميات الفرنسية والألمانية، تتغير الصياغات السياسية والجغرافية وتلتقي أو تتباين وتتوه الأفكار والرؤى الاقتصادية والثقافية لمنطقة تنبسط رخوة لتلقف الخرائط والمشاريع والمبادرات، فتضمّ الدول العربية وتركيا وإيران، و"إسرائيل" ودولاً متعددة من آسيا الوسطى ليست محددة بعد، أي مجمل الدول العربية والإسلامية، أو تتوسع لتضمّ، الى جانب الدول العربية كلها ايران وتركيا وباكستان وافغانستان ودول آسيا الوسطى ودول القرن الافريقي، وهو امر لم يشهده تاريخ الشرق الأوسط من قبل. الاساس في الأمر خرط اسرائيل" في المساحة.

ترمي استراتيجيات توسيع التعريف الجيوسياسي جعل المنطقة خاضعة حكماً لخارطة من الحروب المحمولة والمتنقلة في صراعات متعددة الأجناس والأطراف وفوق "بحيرات" من النفط والغاز تؤمّن الحركة العالمية حتى العام 2070.

إننا إذن في زمن رقصات الأمم فوق رقعة الشرق الأوسط الكبير المثقلة بالتاريخ الذي لن ينعم بالاستقرار وهو قطعاً يعصى على الاستقرار.

 

 

 

*الكتابات والآراء والمقابلات والبيانات والاعلانات المنشورة في اقسام المقالات والاقتصاد والأخبار لا تعبّر بالضرورة ابداً عن رأي ادارة التحرير في صحيفة بيروت تايمز، وإنما تعبّر عن رأي الكتاب والمعلنين فيها حصراً. وموقع صحيفة بيروت تايمز غير مسؤول عن أي نص واو مضمونه.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment