مؤتمر دولي لسرقة لبنان وتوطين الغرباء فيه

06/12/2021 - 11:00 AM

Nanour

 

 

 
المحامي فؤاد الأسمر
 
يمكن اختصار المشهد اللبناني اليوم بحالة من الانهيار التام الشامل، يدفع ثمنه شعب بائس جائع منهك مستسلم، مقابل مسؤولون عديمو المسؤولية غير مبالين، والكل بانتظار مميت لمؤتمر دولي ينقذ لبنان ويعيد الحياة اليه. ان وضعنا اليوم يشبه الى حد بعيد حالتنا خلال الحرب الأهلية التي امتدت لعقد ونصف من الزمن ولم تنته الا بمؤتمر دولي، مؤتمر الطائف، الذي وإن تضمن بعض الاصلاحات الدستورية انما زرع بآثامه مآسي الحاضر.
وهنا يكمن سؤالان:
الأول-هل ان ظروف وعناصر هذا المؤتمر الدولي المنشود قائمة ومتحققة؟
الثاني- هل ان المؤتمر الدولي المنشود سيصب حكماً لمصلحة لبنان؟
بالاجابة على السؤال الاول- يتبين، من مراجعة المعطيات الدولية والاقليمية والمحلية، وجود جملة عناصر متباعدة ومتنازعة تمنع قيام هذا المؤتمر.
فلجهة المعطيات الدولية، من الواضح ان الولايات المتحدة الاميركية منشغلة بتنامي نفوذ المحور  الشرقي الجديد المتمثل بالتحالف بين الجبارين الصيني والروسي والذي يضم اليه قوة نووية خطيرة وهي كوريا الشمالية وينضوي تحت لوائهما عدد كبير من الدول المترامية الاطراف.
هذه القوة، التي تتفوق على الولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً وامتداداً، تقلق العملاق الاميركي، وتبعده عن اي دور فعّال راهناً تجاه حل الأزمة في لبنان، ناهيك عن انتفاء أية مصلحة أميركية لحل هذه الأزمة.
ولجهة معطيات المنطقة العربية، من الواضح ان لبنان ليس اولوية على اجنداتها. فلكل من هذه الدول ازماتها وانشغالاتها، علاوة على الصراعات الدامية التي تجتاحها او تهددها،  دون أن ننسى الدور الايراني المتنامي في لبنان والذي يستفز هذه الدول ويعمّق الهوة بينها وبين لبنان.
ان الانهماك الدولي والاقليمي ينحصر بشكل اساسي راهناً، وعلى المدى المنظور، بمصالحات عربية اسرائيلية منفردة تزيد من حدة عزلة لبنان عربياً ودولياً.
يضاف الى ذلك انهماك اوروبي، بأزماته الداخلية ليس اقلها أزمات النزوح والتبدل الديمغرافي وانعكاساته على الواقع الاقتصادي فيه.
علماً ان الدول الاوروبية لم تكن يوماً صاحبة المبادرة الى أي مؤتمر من أجل لبنان، بل هي مشجعة عليه، من باب سياستها العامة.
أما المبادرة الفرنسية فهي أعجز بكثير عن تحقيق هذا المؤتمر، خاصة وان غاية الفرنسيين، من جهة، خلق موقع لهم في المنطقة خسروه، ومن جهة ثانية، المحافظة على العلاقات والمصالح مع الايرانيين وتطويرها، الامر الذي يحرم الدور الفرنسي أي تأييد أو تجاوب دولي وعربي.
نحن في مرحلة تنشغل دول العالم بأمورها وتحدياتها وازماتها، ولا يعنيها على الاطلاق لبنان ولا الطبقة الحاكمة الفاسدة فيه، ولا تبشر اطلاقاً بتحقق المؤتمر الدولي المنشود.
وبالاجابة على السؤال الثاني- من الواضح ان واقع الساحة اللبنانية اليوم وتدهورها يخدم الى حد بعيد مصالح العديد من الدول التي يعنيها توطين الفلسطينيين في لبنان وابقاء النازحين السوريين فيه وإبعاد شبح هجرتهم اليها. علاوة على ان ضرب اساسات الكيان اللبناني وكل قدرة فيه، يخدم مصالح هذه الدول، كونه يشكل سبباً لوضع يدها على لبنان والاستئثار بثرواته المائية والبترولية وسواها.
وهو ما عبّرت عنه نظرية كوندوليزا رايس الشهيرة "الفوضى الخلّاقة".
وإذا قررت هذه الدول، في المدى غير المنظور ، اطلاق فعاليات اي مؤتمر من أجل لبنان، انما سيأتي هذا المؤتمر على إثر حالة من الدمار الشامل واستسلام تام تعانيه الساحة اللبنانية ليشكل هذا المؤتمر آداة لتقاسم تركة لبنان في ما بين الدول المعنية، وحل أزماتها على حسابه، بحيث يكون التعامل مع لبنان على أساس انه مجرد هامش تسوية وجائزة ترضية ليس الا.
فيا ايها اللبنانيون، لا تنتظروا خيراً ممن ائتمنتموهم على تدبير شؤونكم، فأشباه المسؤولين في لبنان منهمكين بتأمين مستقبلهم السياسي ومستقبل ورثتهم، والامعان في نحر جسم هذا الوطن البائس.
ولا تنتظروا حلاً قريباً من مجتمع دولي لن يكترث بكم الا لتمرير مشروع آثم يرمي الى وضع اليد على بلدكم واستباحته لحل أزمات هذا المجتمع الدولي على حسابه.
لا حلّ الا من خلال مؤتمر وطني جامع وقرار مستقل، ورؤية وطنية علمية وموضوعية تحدد مصلحة لبنان وتبحث بآليات ووسائل تحقيقها دون الاتكال على الخارج. فهل بقي لبنانيون وطنيون في لبنان؟
 

 

 

* إن الكتابات والآراء المذكورة في اقسام المقالات والاقتصاد والأخبار والاعلانات عامة لا تعبّر بالضرورة ابداً عن رأي ادارة التحرير في صحيفة بيروت تايمز، وإنما تعبّر عن رأي كتابها والمعلنين حصراً.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment