يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني: مناسبة للتذكير باستمرار معاناته

11/26/2020 - 13:41 PM

بيروت تايمز

 

 د. سنية الحسيني

 

يأتي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام بمبادرة من الأمم المتحدة، إحياءً لذكرى اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة قرار التقسيم رقم (181)  لعام 1947. إن فكرة إحياء يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني تعد مناسبة لتذكير العالم بأن الشعب الفلسطيني لا يزال صامداً فوق أرضه وعلى مدار أكثر من قرن من الزمان، مضحياً ومقاوماً ومتحدياً لاحتلال إحلالي صهيوني. كما أنها مناسبة ليقدم خلالها الفلسطينيون الشكر والامتنان لكل تلك الشعوب، وعلى رأسها الشعوب العربية والإسلامية وبلدان العالم الحر، التي لم تيأس يوماً من دعم ومساندة الفلسطينيين إيماناً بقضيتهم رغم مرور كل هذه السنوات.

إن ذكرى صدور قرار التقسيم لدى الفلسطينيين لا يجب أن تكون مناسبة للاحتفال، بل على العكس إنها ذكرى لبداية فصول مأساتهم الأليمة والتي لا تزال قائمة حتى اليوم. كما أن الأمم المتحدة ليست أفضل الجهات لتخصيص يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني ادعاءً بالتزامها التمسك بحق هذا الشعب، لأن الأمم المتحدة هي الجهة الدولية التي تذكر الفلسطينيين دوماً بذلك الظلم الذي اقترف بحقهم من قبلها، من خلال تآمر القوى الاستعمارية الغربية عليهم منذ أكثر من سبعة عقود، عبر نظامها الذي يعمل وفق أهواء وسياسات القوى العظمى على حساب الشعوب المستضعفة وحقوقهم الشرعية والتاريخية. ورغم مرور كل هذه السنوات الطويلة لا يزال الفلسطينيون يسعون خلف حقهم المسلوب في أروقة هذه المنظمة، التي تدعي التزامها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني عبر البيانات والشعارات الرنانة والقرارات الجوفاء، والتي تكتفي بإدانة سياسة الاحتلال وإجراءاته دون أي تدخل اجرائي فعلى لحماية الشعب الفلسطيني ومساعدته لاستعادة حقوقه. 

إن قرار التقسيم جاء لشرعنة وعد بلفور، ذلك الوعد البريطاني لليهود بأرض فلسطين، فمن خلال قرار التقسيم مكنت الأمم المتحدة اليهود سياسياً عليها، بعد نجاح بريطانيا بفتح أبواب فلسطين للمهاجرين اليهود وتمكينهم عسكرياً مقابل اضعاف وقمع الفلسطينيين على مدار ما يقارب الثلاثة عقود، والتي مثلت سنوات الاحتلال والانتداب البريطاني على فلسطين. إن إسرائيل تلجأ لاستخدام هذا القرار لاثبات ارتباطها القانوني بفلسطين. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد قررت في حينه تقسيم أرض فلسطين بين الفلسطينيين وأصحاب الأرض الأصليين وبين المهاجرين اليهود الجدد القادمين من الشمال، تلبية لرغبة الحركة الصهيونية، وبنسبة تميل لصالح هؤلاء المهاجرين، رغم أن نسبتهم لم تكن قد تجاوزت ثلث عدد السكان.

واعتمدت الأمم المتحدة على اتخاذ الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين، بناء على معطيات التصويت بين الدول وفق أهوائها ورغباتها، وليس بناء على منظومة التحكيم والقانون الدولي، والتي تعتمد على المحاججات القانونية والدلائل التاريخية، والتي يتم اللجوء اليها للبت في مثل هذه القضايا. سبع وخمسون دولة هي التي قررت مصير فلسطين وشعبها قبل أكثر من سبعة عقود، معظمها دول استعمارية أو دول خضعت لسلطة الاستعمار وتبعت له سياسياً، وهي ذات الدول تقريباً التي منحت الكيان الصهيوني الجديد صفة عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة عام ١٩٤٩. إن هذه المنظمة هي ذاتها التي تمتنع حتى اليوم عن منح الفلسطينيين ذات الصفة التي منحت لهذا الكيان الصهيوني منذ سبعة عقود.

أكثر من خمسة عقود مرت على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وأكثر من ربع قرنٍ مر على توقيعها اتفاق أوسلو للسلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، دون أن يظهر أي تغيير على سياستها الاحتلالية الاحلالية في تلك الأراضي. وتعتمد إسرائيل على ثلاث استراتيجيات متكاملة لتحقيق هدفها بأحكام سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧، بعد أن ضمنت ذلك في أراضي ١٩٤٨، اذ تستولي على الأرض لتبني المستوطنات عليها، وتجلب اليهود اليها ليقطنوها ويحلوا مكان سكان البلاد وأهلها الأصليين، وتنظم وتدعم جماعات عنف مسلحة غير نظامية تقطن تلك المستوطنات لترهيب السكان الفلسطينيين العزل. ومن يعود للتاريخ يعلم أنها ذات الاستراتيجيات الثلاث التي استخدمتها الحركة الصهيونية للسيطرة على الأرض الفلسطينية قبل اعلانها عن إقامة دولتها عليها عام ١٩٤٨.

واليوم تخضع إسرائيل قطاع غزة لحصار جائح وتسيطر على مجمل الضفة الغربية أمنيًا، وتفرض سيطرة كلية على أكثر من ثلثي مساحتها، وهي تلك الأراضي التي أصرت على الاحتفاظ بها في اتفاق أوسلو والتي سميت مناطق (ج)، والتي تركز إسرائيل وجودها الاستيطاني فيها. لقد توسع هذا الاستيطان بشكل كبير خلال عهد سريان اتفاق أوسلو وتصر إسرائيل على جعله واقعاً يصعب التراجع عنه. كما تعمل إسرائيل على نقل المستوطنين إلى تلك الأراضي، الذين بات عددهم اليوم يفوق عدد السكان الفلسطينيين فيها. إنها ذات السياسة التي تتبعها إسرائيل تجاه مدينة القدس  بعد أن احاطتها بالمستوطنات من كل الجهات ونقلت المستوطنين اليها، إلى أن بات المقدسيون أقلية في مدينتهم. ويكاد لا يمر يوم لا تسجل فيه اعتداءات لقطعان المستوطنين المسلحين على السكان الفلسطينيين العزل بالاغارة والاعتداء على أرواحهم وأراضيهم وبيوتهم وجوامعهم أو كنائسهم، تحت حماية جيش الاحتلال أو بمساعدته أحياناً.

نعم لا يزال الشعب الفلسطيني صامداً في وجه إسرائيل، القوة العسكرية العاتية والنووية الوحيدة والأقوى في الشرق الأوسط وصاحبة أكبر سجل عدائي ضد دول المنطقة وشعوبها. إن صمود الشعب الفلسطيني هو نقطة الارتكاز الأساس التي تتصدى لهذا المشروع الاستعماري. وإن الصمود الفلسطيني الأسطوري سيبقى ويستمر وبدعم ومساندة شعوب العالم، التي تقف جميعها مع الفلسطينيين. رغم أن  دول العالم الممثلة بمنظمة الأمم المتحدة تقف شاهداً عاجزًا حتى هذا اليوم على فصول معاناة فلسطين التي تئن تحت ظلم المحتل، وعاجزة عن ردع إسرائيل عن احتلالها وعدوانها المتواصل على الشعب الفلسطيني، الذي يعاني نصفه غربة في المنافي، ونصفه الآخر ما بين سياسات التمييز داخل الخط الأخضر، وبين سياسات الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment