مرفأ بيروت... فساد إداري واختراق لسلطة الدولة

08/10/2020 - 09:56 AM

Nanour

 

كتبت أنديرا مطر



على خطين متوازيين تدار الأعمال في مرفأ بيروت، فساد إداري ناجم عن اعتباره منشأة غير خاضعة تماماً لإدارة الدولة، وهيمنة أمنية فرضتها ميليشيات قوى الأمر الواقع.

وكلتا الحالتين جعلت المرفأ - على الرغم من أهميته الاستراتيجية والاقتصادية للدولة - صندوقاً أسود، سيمر وقت طويل لمعرفة ما الذي يحويه. وبينما تجري السلطات تحقيقاتها، أجرى الصحافي الاستقصائي رياض قبيسي تحقيقاته أيضاً حول الفساد في المرفأ، وأشار إلى أن كارثة الانفجار تظهر «حالة الترهل والفساد في جسم الجمارك، إحدى أبرز الجهات المسؤولة عن المرفأ، لكنها ليست الوحيدة». ولفت إلى أن المطلوب هو التواصل مع الجهات المتخصصة للسؤال عن أصول حفظ مادة «نترات الأمونيوم» التي تسببت بالحادثة وكيفية تخزينها. وفي مؤتمر صحافي عقده في المرفأ في أيلول 2019، اعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أن الحملات على المرفأ بعضها سياسي وبعضها لتحسين الوضع، لافتاً الى أن «المشكلة الأساسية ليست في الإدارة، بل في الجمرك والتهريب». وانصب تركيز الدولة على الجانب المادي المهدور من فساد المرفأ، من دون التطرق الى الجانب الأمني.

لكن أحد الموظفين الرسميين في المرفأ، الذي نجا من الانفجار، استغرب التصويب على إدارة الجمارك وتحميلها مسؤولية الإهمال والتقصير، موضحاً أن «مهامها تنحصر في استيفاء الرسوم، وفي حالات كثيرة لا تعاين البضاعة». ويضيف أن «هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت هي التي يخضع لها المرفأ من الناحية اللوجستية، وصلاحيتها شبه مطلقة، وهي إدارة مستقلة عن الجمارك، خاضعة لسلطة وصاية وزارة الأشغال، بينما يتولى المسؤولية الأمنية عن المرفأ جهاز أمن المرفأ التابع لمخابرات الجيش والأمن العام، ولا شيء يحصل داخل المرفأ من دون علمهما». ويلفت المصدر الى أن «المخازن والبضائع الواقعة ضمن حرم مرفأ بيروت تخضع لواقع استثنائي يميزها عن بقية المكاتب الحدودية، حيث إن جزءاً من السلطة السيادية للدولة قد سلم إلى هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت، متمثل بالتخزين والحراسة. الجمارك لا تقوم بتحريك مستوعب أو شحنة أو أي من البضائع من مكانها، وهي لا تمتلك أو تشرف على المعدات المخصصة لذلك، بل تطلب ذلك من الهيئة بواسطة». وعما إذا كان يعلم بوجود مواد متفجرة، قال المصدر إنه لم يكن لديه أدنى فكرة عما يمكن أن يحتويه العنبر 12، وانه «كان يمكن أن نُقتل في أي لحظة».

ويشير المصدر إلى أنه «في حال صحت الأخبار عن سرقة نترات الأمونيوم فلا يمكن أن تجري خلال الدوام؛ لأن هناك آلاف العمال والموظفين المتعددي الانتماءات السياسية، كما أن أبواب العنابر كلها مجهزة بكاميرات»، لكنه غير متأكد من وجود كاميرا على العنبر الذي انفجر. ويوضح أن «البضاعة التي سببت الكارثة هي من نوع البضائع التي ورد منها آلاف الأطنان بموجب مئات المعاملات، وليست من النوع المستهجن وجوده بالمطلق. ولا يمكن للجمارك أو يحق لها قانوناً أن تقيّد من حركتها، علماً أن أياً من موظفي السلك الإداري في الجمارك - بمن فيهم مديرها العام - لم يتلق يوماً تدريباً أو دروساً عسكرية أو تقنية تمكّنه من معرفة مدى الخطورة التي تتصف بها هذه المادة، ومقدار وكيفية قياس هذه الخطورة مقارنة مع مخاطر مواد أخرى كالبنزين أو المفرقعات».

في دراسة صادرة عن المديرية العامة للدراسات والمعلومات في مجلس النواب في ديسمبر 2019، جاء أن «اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت تدير تعاملاتها المالية خارج أي أطر تشريعية، كما أن اللجنة لم تُودع وزارة المالية أي حسابات أو تقارير سنوية منذ أعوام عدة». وقدّرت الدراسة الإيرادات السنوية لمرفأ بيروت بنحو 240 مليون دولار يتم تحويل ما يقارب 40 مليون دولار منها إلى الخزينة العامة، في حين يتم إنفاق المبالغ المتبقية تحت بنود تشغيل وصيانة الميناء. ويقدر الوزير السابق فادي عبود، الذي تابع على مدى سنوات ملف مرفأ بيروت، أنه «في حال تحصّلت الدولة على كل مداخيل المرفأ، فستكون الحصيلة دخول مليار و100 مليون دولار إلى الخزينة، التي لا يُحصّل منها حالياً سوى الفتات».

إن البضاعة المخزنة في العنبر رقم 12 لم ترد في الأصل إلى مرفأ بيروت، بل مرت به، لأسباب تحيط بها ملابسات كثيرة. وتبقى نقطة الفصل في تحديد من أمر بتفريغها وبالسلطة المسؤولة عن استقبالها (وزارة الأشغال العامة أو هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت) عالمَين أو كان يفترض بهم العلم بأنها ستتحول إلى بضاعة عالقة لزمن طويل. في الآونة الأخيرة، درجت نظرية أن «حزب الله يغطي الفساد مقابل تغطية الآخرين لسلاحه». ورغم صحة هذه المقولة جزئياً، فإن مصدراً نيابياً معارضاً يرى فيها محاولة لتبرئة الحزب من الفساد الأخطر والأشمل الذي قاد البلاد إلى الحضيض، الذي كانت آخر تجلياته انفجار بيروت، الذي سيكشف من يدير هذه البلاد ومن يمثّل واجهة له، وفق المصدر عينه.

وكانت تقارير استخباراتية غربية أشارت إلى استخدام حزب الله للمرفأ لنقل الأسلحة الإيرانية وتهريب المخدرات، وإدخال الكثير من البضائع لتجار من بيئته، من دون تمرير هذه البضائع على اللجان المعنية لفحص جودتها ومدى مطابقتها للمواصفات، ولا على الجمارك لدفع الضرائب. ووفق تحليل نشره معهد بروكنغز، سيسأل اللبنانيون إن كان لامتيازات حزب الله في المرفأ دور في الانفجار أم لا، وكيف تهرّب المتورطون في تخزين «نيترات الأمونيوم» في العنبر رقم 12 من التدقيق والمحاسبة لسنوات طويلة. وأوضح التحليل الذي كتبه جيفري فيلتمان أن المعلومات الأولية حتى الآن تشير إلى أن المسؤولية ترتبط بشكل وثيق بإهمال غير مسبوق يصل إلى «حد الإجرام» من قبل مسؤولين. لكن مرفأ بيروت، يرتبط بشكل مباشر بشبكة حزب الله وأنشطته الاقتصادية، وهو ما جعل اللبنانيين يتداولون نظريات تربط ما حصل مع أنشطة الحزب المزعزعة للاستقرار.

 

 

 

"القبس"

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment