الوضع الاقتصادي مقلق

06/03/2020 - 12:31 PM

Fadia Beauty Salon

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

يعاني لبنان اليوم من مشاكل عدة ترفع من مستوى الفقر كما البطالة وتجعل النمو سلبيا كما لم يحصل حتى في اسواء أيام الحرب.  يعاني لبنان اليوم من مشاكل اقتصادية ومالية وصحية، أهمها مشكلة الفساد وغياب الشفافية التي تعرقل كل شيء.  غياب الشفافية يعني عدم الثقة تجاه ما يجري.  في أوضاع كهذه، لا يمكن توقع الاستثمارات ولا حتى الراحة في الاستهلاك وحتى في النوم.  اللبناني يشعر انه متروك بسبب سؤ الاساءة له ولعائلته ومجتمعه عبر عقود من سؤ الممارسة دون أي اعتذار.  يقول السياسيون للبناني، أن الأموال المنهوبة ستعود وأن المعاقبة والمحاسبة ستتم، واللبناني لا يصدق لأن الممارسات السابقة لا يمكن أن تشجع.

الوضع الاقتصادي اللبناني اليوم يحتاج الى دولة فعالة بقدرات كبيرة ووسائل صائبة وادارة رشيدة ومسؤولين مميزين بالكفاءة والنزاهة، وكل شيء غائب للأسف أو أقله نشعر فعلا بالغياب.  بالرغم من الواقع المعروف، يستمر السياسيون في تقديم العواطف للمواطن، كل ذلك لأن المحاسبة غائبة واللبناني غير مقتنع بأن الأمور ستصطلح بسهولة وسرعة.  حتى في الاحصائيات هنالك خلافات كبيرة بين المؤسسات اللبنانية الرسمية تؤثر سلبا على صورة لبنان أمام صندوق النقد الدولي أو غيره.  التأثير السلبي الأكبر هو تجاه المواطن الذي تزداد قناعاته السلبية تجاه المسؤولين والدولة بشكل عام.

السياسة المالية هي التي تحددها وزارة المالية وتقررها الحكومة وهي طبعا في غاية الأهمية.  فهي تهدف الى تعزيز فرص النمو الاقتصادي، اذ هذا يميزها عن السياسة النقدية التي تهدف الى تحقيق الاستقرار الاقتصادي.  هنالك تكامل بين السياستين يتجلى في التنسيق بينهما أي بين وزارة المالية والمصرف المركزي.  تشمل السياسة المالية الانفاق العام وسياسة الضرائب والرسوم على مختلف أنواعها من جمارك وضرائب على الدخل والاستهلاك والثروة وغيرها.  الفارق بين الانفاق والدخل العام يمكن أن يكون ايجابيا أي فائض أو سلبيا أي عجز حيث تراكمه يشكل حجم الدين العام.  تمويل العجز يمكن أن يكون من الداخل أو من الخارج تبعا للامكانيات وتوافر الأموال وتكلفتها.

ليس المهم حجم الدين العام، انما نسبته من الناتج أي مدى قدرة المقترض على تسديد الديون مستقبلا.  التخلف عن تسديد الديون خطير ويشكل نوعا من الافلاس أو العجز تحاول بعض الدول خطأ التخبؤ وراءه وأن تدعي البطولات عند حصوله.  التخلف عن تسديد الديون يضرب صورة الدولة ومن الصعب جدا تحسينها كما تعرف الأرجنتين ذلك جيدا اليوم.  معالجة أوضاع المالية العامة يكون عبر 3 طرق على الأقل وهي ترشيد الانفاق أي تخفيف الحجم وتحسين الخيارات، معالجة تنوع الضرائب ورفع نسب التحصيل وثالثا تخفيف ثقل الدين العام أي اختيار التمويل الأرخص لمصلحة الاقتصاد الوطني.

من أهم وظائف السياسة المالية هي المحافظة على حقوق الطبقات الفقيرة والمتوسطة كما صغار ومتوسطي شركات الأعمال.  يتحقق هذا الهدف عبر تشكيلات ضرائبية تصيب نسبيا الأغنياء أكثر بكثير كما عبر انفاق يساعد الطبقات غير الميسورة على الاستمرار والعيش الكريم.  هنالك ضرائب معروفة كالضريبة على الثروة كما الضريبة التصاعدية على الدخل التي تصيب الأغنياء نسبيا أكثر.  هنالك انفاق عام مهم جدا للطبقات غير الميسورة كالانفاق على التعليم والصحة والغذاء الذي يخفف كثيرا عن تكلفة هذه الحاجات الأساسية.  الحكومات الواعية المسؤولة هي التي تحسن اختيار الايرادات كما الانفاق الذي يصيب الهدف أي يعزز النمو ويرسخ الاستقرار الاجتماعي العام.

للسياستين المالية والنقدية تأثيرات كبيرة على الاقتصاد تتم عبر العامل المضاعف.  هذا يعني ان أي تحريك لهما يؤثر بقوة وعبر الزمن على الاقتصاد بسبب الترابط القوي بين القطاعات كما بسبب العوامل الاقتصادية المختلفة.  الاقتصاديون عموما غير متفقين حول تقييم العامل المضاعف الذي يرتبط بدوره بالقوانين والثقافة الاستهلاكية كما التطور المالي والنقدي في المجتمع وغيره.  خلال أزمة 2008 العالمية، تبين للمجتمع الدولي أهمية السياسة المالية، كذلك اليوم مع الكورونا حيث تتسابق الدول على دعم الشركات والقطاعات كما الطبقات الفقيرة.  من الأزمات المتعاقبة خلال العقود الماضية، يتبين لنا:

أولا:  أهمية السياسة المالية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي شرط تكاملها مع السياسة النقدية.  كان المجتمع الدولي يعتقد أن الاقتصاد العالمي بخير والنمو مستمر ولا مشاكل بطالة وتضخم، فتبين العكس للجميع.

ثانيا:  للسياسة المالية مشاكلها أيضا أي ما هي الوسائل الفضلى للاستعمال في تحقيق الأهداف؟  مشكلة لبنان اليوم، أن الاقتصاد بحاجة الى ضخ أموال داخله لمساعدة القطاعات والعائلات، لكن لا قدرة للدولة على ذلك.  سؤ ادارة البلد عبر عقود من الممارسة السوداء تظهر نتائجها اليوم.  الدولة غير قادرة على القيام بواجبها، فتلجأ الى صندوق النقد الدولي الذي له تاريخ حافل بالانجازات كما بالفشل.  الحذر مطلوب جدا وليست هنالك نتائج ايجابية مؤكدة.

ثالثا:  صدقية المسؤولين هي في غاية الأهمية.  الصدقية هي أهم من القدرات المالية اذ نرى فينيزويلا اليوم الغنية تعاني كثيرا وتطلب النفط الايراني وهي الدولة الأغنى نفطيا في العالم.  من يقرض فينزويلا دولارا واحدا اليوم؟  للأسف اليوم صدقية المسؤولين في القطاع العام اللبناني وبعض القطاع الخاص ضعيفة ان لم تكن غائبة.  السيء في هذا الموضوع أن اللبناني يشعر بعدم قدرته على التغيير الفعلي حيث تمت محاولات عدة دون نجاح يذكر حتى اليوم.

رابعا:  تحسين اداء السياسة المالية يتطلب تعديلا في القوانين تسهيلا للقرارات.  الحكومات الجدية تسعى دائما الى تعديل القوانين والاجراءات الرسمية لتتماشى مع التغيرات الكبرى في الاقتصاد العالمي.  في لبنان، نرى تعديل قانون واحد حتى في أمور غير أساسية يأخذ الوقت الطويل دون نتيجة فضلى مؤكدة.  هذا يميزها عن السياسة النقدية حيث اتخاذ القرار أسهل ويتم من قبل ادارة المصرف المركزي ولا حاجة للحكومة أو لمجلس النواب أو غيرهما.

هنالك مشاكل عدة في لبنان أهمها غياب السيولة وعدم قدرة المواطن على الحصول على أمواله من المصارف.  هذا يزيد خوفه وقلقه على المستقبل.  عدم قدرة المواطن على تحويل المال لأولاده الذين يدرسون في الخارج يزيد من قلقه ومن عدم ثقته بالمسؤولين كافة.  كل ما يجري اليوم من حسن أو سؤ نية، من حسن أو سؤ ممارسة يرفع من قلق المواطن وحيرته تجاه المستقبل.  لبنان مجتمع يستورد الكثير من الخارج، وبالتالي سعر صرف الدولار مهم جدا له.  ألجميع مقتنع اليوم بأن سعر الصرف الرسمي غير قابل للاستمرار والتعديل حتمي، لكن الى أين؟  الى 3200 ليرة أو أسواء.  الانعكاس على الأجور كارثي ولا بد من مصارحة اللبنانيين من ناحية أهداف المصرف المركزي.  المصارحة والشفافية تبقى الأفضل، اذ يتضح عندها للمواطن الى أين سيذهب.  الوضوح الأسود أفضل من الغموض البناء الذي لا يحترم شعور وذكاء اللبناني.

بالاضافة الى سعر الدولار، اللبناني قلق بشأن النمو حيث الأرقام السلبية واضحة أقله حتى سنة 2023، أما نسب التضخم فمرتفعة للسنوات الخمس المقبلة.  عجز الموازنات سيبقى مرتفعا وان خف تبعا لمشاريع الحكومة.  نسبة الدين العام من الناتج ستبقى فوق 100% هذا ان تفاءلنا بالخير وحسن الممارسة والنيات.  عجز ميزان المدفوعات سيبقى سلبيا اذ يرتبط بالميزان التجاري أي بقدرة لبنان على انتاج السلع وتصديرها.  مهمة الحكومة الحالية صعبة ولا تحسد عليها خاصة انها ورثت كل هذه المصاعب.  التحديات كبيرة لكن النجاح مقدر، فلنأمل خيرا من الممارسات.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment