رسالتي الأخيرة إلى إميلي نصرالله

03/20/2018 - 12:20 PM

Fadia Beauty Salon

 

 

بقلم: محمد زريق

في المجموعة القصصية "وصارت الصخور فراشات" للروائية إميلي نصرالله، استوقفتني عبارة "من يعلم، ما الذي يعيش فينا من الأحياء، بعد أن رحلوا؟". ولكن، أوليس استذكاري لهذه العبارة هو دليل على أنَّ العظماء لا يموتون.

بعد سماعي خبر وفاة الأديبة إميلي نصرالله تأثرتُ بشدّة وفاضَ قلبي بالمشاعر المتلاطمة، لأنها سيدة وطنية بامتياز وأم الرواية اللبنانية، وكانت دائماً إلى جانب الانسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه.

لقد كانَ لخبر الرحيل وقع حزين ليس فقط على وطنها الأم، إنما على كافة أصقاع الأرض، ففكر إميلي نصرالله قد تُرجم إلى العديد من اللغات مثل الإنكليزية والألمانية والهولندية والدنماركية والفنلندية والتايلاندية.

إنها سيدة الأماكن والأزمان، ففي بلدة كوكبا الجنوبية أبصرت النور، ومن هناك انتقلت إلى بلدة الكفير حيثُ ترعرعت وتعلمت في مدرسة الكفير الرسمية وتابعت دراساتها الثانوية في الكلية الوطنية في منطقة الشويفات، ومن ثمَّ كانت المحطة الجامعية في كلية بيروت، ومنها انتقلت إلى الجامعة الأميركية لتكمل إجازة الباكالوريوس عام 1958.

ولدار السلام "زحلة" نصيب من بركات هذه السيدة، حيثُ أنها تزوجت الكيميائي الزحلي "فيليب نصرالله" وأنجبت منه عائلة من أربعة أولاد. وعند زيارتي لمنزل العائلة القابع على تلة والمطل على مدينة زحلة رأيتُ به وجه إميلي البريء وعندما تلمستُ حجرهُ القديم المعتق أحسستُ بصلابة وعظمة هذه السيدة التي أصبحت اليوم جبلاً أدبياً إلى جانب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة.

ميخائيل نعيمة الأديب والمفكر اللبناني الذي كتبت الأقلام عنهُ الكثير، قد كانَ معجباً بأسلوب السيدة إميلي الأدبي، فعندَ صدور روايتها "طيور أيلول" قال: "طيور أيلول معرض فني للقرية اللبنانية في شتَّى مظاهرها. إنه لكسب كبير للقصة في لبنان".

ولكن بالرغم من كل الأوسمة والألقاب والكتابات والإنجازات، ظلَّت إميلي السيدة اللبنانية القروية المتواضعة، فتقول: "أنا أقول دائماً أنني فلاحة تكتب، أتيت من أرض الفلاحين من الكفير من جنوب لبنان. ولم أكن أتوقع التكريم. أكتب لأنني أحب الكتابة، ولأني أريد أن أقول ما أعرفه"؛ وبالتواضع يرتقي الإنسان وتزداد عظمته.

الكاتبة إميلي صاحبة القلب الرقيق، والتي كتبت أولى رواياتها "طيور أيلول" بدموع العين بعد هجرة أخوتها الصغار، وكم من طيور تهاجر ودموع تذرف إلى يومنا هذا.

إميلي نصرالله الأديبة الجنوبية المقاومة التي وضعت بصمة مميزة في روايتها "رياح جنوبية"، كما أنهُ قد احترق منزلها العائلي مع مجموعة مخطوطات إبَّان الإجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982. وكانت هذه العوامل الدافع وراء الكتابة عن الجذور العائلية، والحياة في القرية اللبنانية، والإغتراب والهجرة، ونضال المرأة في سبيل المساواة والتحرر.

كانت الروائية اللبنانية ممتنَّة لتسلمها أعلى وسام ألماني قدمه لها معهد غوته في قصر فايمار، ولكنها كانت فخورة ومتأثرة وقد ذرفت الدموع عندما منحها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور، لأنَّ لهذا التكريم نكهة خاصة ومن يكرمها هو وطنها الذي أحبته وعشقته.

حصدت الروائية العبقرية والرقيقة العديد من الجوائز، فإبنة زحلة حصلت على جائزة سعيد عقل على "كلمة ملكة" وعلى جائزة الشاعر سعيد عقل، ولأنها من الكبار فقد حصلت على جائزة جبران خليل جبران من رابطة التراث العربي في أستراليا، بالإضافة إلى جائزة أصدقاء الكتاب، وجائزة مجلّة فيروز، وجائزة مؤسسة IBBY لكتب الأطفال، وقد قررت جامعة القديس يوسف في بيروت إقرار مؤلفاتها مادة إلزامية لشهادات الماجستير والدكتوراه.

إنها بكل بساطة إميلي نصرالله، السيدة اللبنانية المجبولة بتراب لبنان الوطني والنقي، وفي هذا اليوم أقول لكِ: "عندما يموت لبنان ستموت إميلي نصرالله . . ولبنان لا يموت!".

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment